حق الحماية الاجتماعية

حق الحماية الاجتماعية

تعدّ الحماية الاجتماعية جوهر التماسك والتضامن لأي مجتمع، وتُستخدم مؤشراتها المتنوعة لقياس مدى تمتع المجتمعات بحقوقها الإنسانية الأساسية، وقد تطوّر هذا المفهوم عبر العصور وصولاً إلى مبادرة الأمم المتحدة، التي تبلورت في مضامين توصية منظمة العمل الدولية رقم 202 لعام 2012، المتعلقة بأرضيات الحماية الاجتماعية.
وتتضمن التوصية مجموعة من الأسس تتمثل بالرعاية الصحية الأساسية، على الأقل، بحيث يسهل الوصول إليها وتكون ذات جودة عالية، وتوفير دخلٍ أساسي لضمان حياة فضلى للأطفال، وتوفير الحصول على التغذية والتعليم والصحة، وتوفير الدخل الأساسي عند الحد الأدنى للأجور على الأقل للأشخاص في سن العمل وغير القادرين على العمل، خاصةً في حالات المرض والبطالة والأمومة والإعاقة والمسنين.

الحماية الاجتماعية لم تعد خدمات تقدمها الحكومات وبعض الهيئات إلى المواطنين أو إلى بعضهم بوصفها نوعاً من أنواع الخدمات الرعائية، بل هي حقوق أساسية للمواطنين كافةً، وجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان ضمن استراتيجية شاملة.

وللأسف الشديد؛ وحسب التقرير العالمي للحماية الاجتماعية 2014/ 2015، الذي صدر عن منظمة العمل الدولية قبل أشهر، فإن أكثر من 70 % من سكان العالم يفتقرون إلى حمايةٍ اجتماعيةٍ مناسبةٍ، ما يؤدي إلى تراجع مستويات الحياة لمئات ملايين البشر في مختلف أنحاء المعمورة.

غالبية شعوب المنطقة العربية محرومون من أبسط حقوقهم الإنسانية الأساسية، ويدفعون أثماناً كبيرةً من حقوقهم وكراماتهم لقاء مستوياتٍ ضعيفةٍ جداً من الممارسات الديمقراطية، التي يصل مستوى بعضها إلى الاستبداد، الأمر الذي انعكس سلباً على مختلف حقوقهم الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية، وفي مقدمتها الحق في الحماية الاجتماعية.

ولا يمكن تفسير حالة الاضطراب الشديدة، التي نعاني منها منذ عقود وتتفاقم بشكل كبير وملموس خلال الأعوام الماضية، إلا بالتراجع الكبير في مختلف مؤشرات حقوق الإنسان، ما دفع فئات عدّة للتعبير عن نفسها بانتفاضات ضد النظم الحاكمة من أجل تعزيز مسارات التحول الديمقراطي بهدف تحسين مستويات تمتعها بحقوقها الإنسانية الأساسية المتنوعة، وفي مقدمتها الحماية الاجتماعية بمفهومها الكلّي.

وتشهد العديد من دول المنطقة تراجعاً عن بعض التقدم في مجال الحريات المدنية والسياسية الذي جاءت به السنوات القليلة الماضية، حيث عادت القوى السياسية المحافظة للسيطرة على إدارة شؤون الحكْم في بلدانها مرة أخرى، بعد أن امتصت الصدمة الأولى للتحولات الاجتماعية التي فاجأتها.

بيد أن قراءة معمّقة تُظهر أن الحراك الشعبي سيتواصل، ويتخذ أشكالاً متنوعة، وأهمها الاحتجاجات العمالية المستمرة، حيث تنظم آلاف الاحتجاجات سنوياً في مختلف أنحاء المنطقة العربية بهدف تحسين شروط العمل وتطبيق معايير العمل اللائق الذي يشمل الحماية الاجتماعية. وهذا يُؤكد أنّ عملية التحول الديمقراطي السياسية والاجتماعية يمكن إعاقتها بإجراءات إدارية هنا وهناك، إلا أنه يستحيل وقفها.

ويجدر الإشارة إلى أن العديد من الأنظمة العربية، وبالرغم من حدّة الصدمة الأولى التي تعرضت لها خلال السنوات الأربعة الماضية، إلاّ أنها لم تعرْ موضوع الحماية الاجتماعية الاهتمام الذي يستحق، واستمرت في تطبيق سياساتها الاقتصادية غير الاجتماعية، وهي تمضي قدماً بتطبيق السياسات ذاتها التي أدت الى اشتعال أزماتها الداخلية.

وعليه، فإنه من غير المتوقع أن تستمر حالة الاستقرار النسبي طالما أن القائمين على الحكْم لا ينفذون سياسات تعزز الحماية الاجتماعية.

 

·        أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

 

أضف تعليقك