حقوق الإنسان في الأردن: الفجوة تتسع

حقوق الإنسان في الأردن: الفجوة تتسع

 

 

اتسعت الفجوة بشكل لافت خلال عام 2015، الذي يقارب على الانتهاء، في مجال احترام معايير حقوق الانسان في الأردن، بين الخطاب الرسمي للحكومة من جهة، وبين الممارسات العملية على أرض الواقع من جهة أخرى.

 

نشهد تراجعاً ملموساً رغم تشكيل الحكومة لجنة وزارية خاصة لمتابعة تنفيذ توصيات المركز الوطني لحقوق الإنسان لعام 2014، وإنشائها وحدةً وفريقاً خاصاً عابراً لمختلف المؤسسات الرسمية لتعزيز حالة حقوق الإنسان على مستوى السياسات والممارسات، إلى جانب طلب رئيس الوزراء من كافة المؤسسات الرسمية مراجعة تشريعاتها وسياساتها كل حسب اختصاصها في ضوء التوصيات المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في إطار الاستعراض الدوري الشامل، وغيرها من الإجراءات الحكومية.

 

ونشهد تراجعاً في مختلف مؤشرات ومعايير حقوق الإنسان، وبما يخالف الرؤية الملكية التي عبر عنها الملك في أكثر من مناسبة، وكان أهمها خطابه في إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي في أيلول 2014، وقال فيها "إننا لا نستطيع أن نستهين بدور مشاعر الحرمان من حقوق الإنسان في صناعة الإرهابيين". يبدو أن الحكومة ما زالت بعيدة عن التقاط هذه الرؤية وترجمتها تشريعات وسياسات وممارسات. ضاربة بعرض الحائط أيضا أهم التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2011، حيث نصت المادة (128/1) على أنه "لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها".

 

في مجال حرية الرأي والتعبير، فإن قرار ديوان تفسير القوانين شرعن توقيف الأشخاص في القضايا الإعلامية، من خلال السماح باستخدام قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يسمح بحبس الأشخاص في القضايا المتعلقة بالتعبير عن الرأي، لاغيا الأثر الإيجابي لقانون المطبوعات والنشر الذي يمنع الحبس في هذا المجال، وخلال هذا العام تم توقيف العديد من الأشخاص بمن فيهم صحفيين وفق قانون الجرائم الإلكترونية.

 

ويستمر تجاهل الحكومة للتعديلات الدستورية وقرار المحكمة الدستورية المتعلق بحق جميع العاملين بتشكيل منظمات نقابية تمثل مصالحهم، فالتعديلات التي جرت على الدستور في عام 2011 ضمنت بوضوح حق الأردنيين بتشكيل نقابات، وجاء القرار التفسيري للمحكمة الدستورية رقم 6 لسنة 2013، الذي أجاز للعاملين في القطاع العام تشكيل نقابات لهم، الا أنه وحتى هذه اللحظة، لم تستجب الحكومة لذلك، فهي تمنع العاملين من تشكيل نقابات خارج نطاق النقابات العمالية السبعة عشر القائمة منذ أربعين عاماً، وتخضع في سياساتها العامة لسيطرة الحكومة. وهي لم تمنع فقط، بل تقوم بمحاربة المنظمات النقابية الجديدة والمستقلة بشتى الطرق. كذلك فإن مقترح القانون الذي تقدمت به الحكومة للتنظيم النقابي في القطاع العام، هدف إلى تشكيل وحدات إدارية حكومية تحت مسمى نقابات، فهي حسب مقترح القانون تعمل تحت سيطرة الوزير المعني، وبذلك أفرغت النقابة من مضمونها الحقيقي الذي يتمثل في استقلاليتها.

 

ولم تكتف الحكومة بالتقييدات القائمة على عمل منظمات المجتمع المدني على مستويي التأسيس وآليات العمل، في إطار قانوني الجمعيات والشركات، التي تخالف معايير الحق في التنظيم كجزء من منظومة حقوق الإنسان. بل أصدرت مؤخراً تعليمات جديدة لتخضعها بالكامل للسيطرة الحكومية. وقد تمت المباشرة فعلياً بتنفيذ هذه التعليمات، منذ أشهر عدّة، ولم تقتصر المضايقات والتضييقات على منظمات المجتمع المدني على المنظمات العاملة في شؤون حقوق الإنسان والديمقراطية، بل تعداها لمنع بعض أعمال وأنشطة تتعلق بدمج الأشخاص من ذوي الاعاقة بالمجتمع، وحماية المجتمعات المحلية من المخاطر البيئية لبعض الشركات، وصلت لمستوى توقيف رئيس إحدى الجمعيات البيئية.

 

وتعدت المسألة إلى تقديم الحكومة تعديلات على قانون العقوبات في المادة (183 مكرر) تجرم الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص الذين يمارسون حقهم في الإضراب في العديد من القطاعات الاقتصادية بالغرامات المالية والسجن. وعلى أرض الواقع مارست الحكومة ذلك، وقبل إقرار التعديلات من قبل السلطة التشريعية، حيث قامت بتوقيف واعتقال نشطاء نقابيين مارسوا حقهم في الإضراب، وفض العديد من الاعتصامات والاضرابات العمالية بالقوة. كذلك جرى منع العديد من الاجتماعات والتجمعات المدنية والسياسية.

 

 

هذه أمثلة على بعض انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، أما في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد شهد عام 2015، تراجعاً في العديد من المؤشرات، فمؤشر البطالة ارتفع ليصل إلى 13.8%، والعاملين في القطاع غير المنظم في تزايد مضطرد بسبب تراجع قدرة الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل جديدة، إذ لم تتجاوز 50 ألف فرص عمل جديدة في عام 2014، في حين كانت تبلغ ما يقارب 70 ألفا قبل سنوات قليلة. ومن المعروف أن شروط عمل الغالبية الكبيرة من العاملين في هذا القطاع غير عادلة وغير مرضية، ولا تنطبق عليها معايير العمل اللائق. يضاف إلى ذلك الارتفاعات الكبيرة في تكاليف المعيشة، التي لا تتلائم بالمطلق مع مستويات أجور الغالبية الساحقة من العاملين بأجر، وحسب الأرقام الرسمية فإن ما يقارب 90% من العاملين بأجر يحصلون على رواتب شهرية تقارب 500 ديناراً فما دون.

 

وهنالك شكاوى مستمرة من تراجع جودة الخدمات الصحية، التي تقدمها المؤسسات الحكومية وخاصة في المستشفيات، يقابل ذلك ارتفاعات كبيرة جداً وغير مبررة في تكاليف الطبابة والاستشفاء في القطاع الخاص. أما فيما يتعلق بالخدمات التعليمية، فلا يخفى على أحد حالة التدهور في جودة التعليم الأساسي والجامعي والمهني، حيث لا ينجح في امتحان الثانوية العامة ما يقارب 50 % من الطلبة، يضاف لها تدني درجة امتلاك خريجي الجامعات للمهارات الأساسية في تخصصاتهم التي لا تتجاوز 44%، حسب بيانات وزارة التعليم العالي.

 

وتشير المعطيات المتوفرة ، وأهمها التوجهات الحكومية، أن مسار أوضاع حقوق الإنسان في عام 2016 لن يكون أفضل حالاً مما كان عليه في العام الحالي، وهذا يؤشر إلى أن التوترات المجتمعية مرشحة لازدياد، مما يهدد السلم الاجتماعي، وقد يدفع العديد من الفاعلين السياسيين والمدنيين للعمل السري، ويدفع قطاعات من المجتمع للإحساس بالحرمان من حقوقهم الأساسية، وبالتالي النزوع نحو الاعجاب وتبني الفكر المتطرف الذي ينتشر في المنطقة بشكل واسع وممارسته ويغذي الارهاب.

 

إن احترام معايير حقوق الإنسان، ليس فقط التزاماً بمعايير عالمية يحسن صورة الدولة أمام المجتمع الدولي، إنما هو حاجة وضرورة ماسة لضمان احترام كرامة الإنسان، التي تعد المدخل الأساسي للمحافظة على الأمن والاستقرار الاجتماعي والاجتماعي والسياسي.

 

أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

أضف تعليقك