حقوق الأردنيين الدستورية في الخارج

حقوق الأردنيين الدستورية في الخارج
الرابط المختصر

كشفت وزارة الخارجية مؤخرا أن العدد الكلي للمعتقلين الأردنيين في الخارج بلغ 1464 معتقلا منهم من هو معتقل لأسباب جنائية وبعضهم الآخر لأسباب أمنية، حيث كان آخرهم المواطن الأردني خالد الناطور الذي تحتجزه السلطات السعودية منذ قرابة الثلاثة أشهر. رغم الجهود الرسمية والبرلمانية التي يدعى أنها تبذل من أجل الكشف عن خيوط اختفائه، إلا أن كل ما تم الكشف عنه على المستوى الرسمي أن الناطور معتقل داخل الأراضي السعودية بتهمة ذم وقدح العاهل السعودي أثناء مشاركته في اعتصام جماهيري أمام السفارة السعودية بعمان.

إن هناك شعورا بالاستياء العام بين كافة الأوساط الشعبية سببه تقصير الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة الخارجية في متابعة قضايا الأردنيين الموقوفين بالخارج بشكل عام وقضية الناطور بشكل خاص. كما ينتاب غالبية الأردنيين المقيمين في الخارج الشعور بعدم الرضا عن وزارة الخارجية وكوادرها الرسمية المنتشرة في كافة أرجاء العالم، إذ لا تكاد توجد جالية أردنية مغتربة إلا وقد سبق لها أن شعرت بتقصير السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية الأردنية في التعاطي مع شؤونهم الخاصة، وأبدت استياءها من مستوى الخدمات الدبلوماسية التي تقدم لهم في الخارج.

إن المبدأ الأساسي الذي يحكم علاقة الدولة بمواطنيها هو أن الحماية الوطنية المقررة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية الواردة في الدستور يجب أن تشمل رعاياها الموجودين في الخارج باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني. فالأصل أن يمتد نطاق الحماية الدستورية للحقوق والحريات العامة إلى خارج إقليم الدولة ليشمل مواطنيها الموجودين في الخارج وذلك بغض النظر عن مكان وجودهم وسببه، سواء بشكل مؤقت للعمل أو الدراسة أو بشكل دائم لغايات الإقامة.

إلا أن المتتبع لنصوص الدستور الأردني يجد أنه قد غفل عن كفالة تلك الحماية الوطنية للأردنيين في الخارج، حيث لم ينص المشرع الدستوري على التزام الدولة الأردنية بحماية حقوق الأردنيين وحرياتهم الأساسية في الخارج، رغم أنهم أردنيون بموجب القانون ويجب أن تمتد نصوص الدستور الأردني الخاصة بممارسة الحقوق والحريات الأساسية والتمتع بها لتشملهم خلال فترة وجودهم خارج أرض الوطن.

إن غياب أي نص دستوري حول ضرورة أن تقوم الدولة الأردنية بمتابعة شؤون رعاياها في الخارج والتواصل معهم بهدف ضمان تمتعهم بالحقوق الدستورية الأساسية المقررة للمواطنين داخل الدولة قد حرم الأردنيين في الخارج من ممارسة أبسط حقوقهم المدنية والسياسية كالحق في التصويت في الانتخابات النيابية والبلدية، والحق في تولي المناصب العليا في الدولة التي اشترطت المادة (22) من الدستور الأردني أن يتم شغرها على أساس الكفاءات والمؤهلات فقط من دون أن تشترط أن يكون صاحبها مقيما داخل الدولة. فالغريب في الأمر أن تحمي الدولة الأردنية ممارسة غير الأردنيين المقيمين على أراضيها لحقوقهم السياسية كحقهم في الانتخاب والاستفتاء على الدستور أو على شخص رئيس الدولة، في حين تعجز عن توفير الحد الأدنى من الحقوق الأساسية لمواطنيها في الخارج.

كما أن غياب مثل هذه الحماية الدستورية لحقوق الأردنيين في الخارج يعني غياب أية مسؤولية دستورية مباشرة عن الحكومة في متابعة شؤون مواطنيها المغتربين، وهو ما يبرر تقاعس الجهات الرسمية في الكشف عن مصير الأردنيين المعتقلين في الخارج وآخرهم المواطن خالد الناطور، فقد أكدت وزارة الخارجية أن مجموع المعتقلين الأردنيين في السجون السعودية بلغ 425 معتقلا رغم توقيع اتفاقية تبادل المحكوم عليهم بأحكام سالبة للحرية بين الأردن والسعودية التي أقرها مجلس الأمة مؤخرا.

ولا تقتصر الاتهامات الموجهة للحكومة على عدم متابعتها قضايا المعتقلين الأردنيين في الخارج، بل يمتد الأمر إلى أبعد من ذلك ليشمل الأردنيين الذين يحاكمون أمام محاكم الدول الأخرى، حيث تتم إجراءات محاكمتهم وتنفيذ الأحكام الجزائية بحقهم من دون علم ومتابعة السلطات الأردنية. وهذا ما حدث مؤخرا مع المواطنين الأردنيين حازم الحراسيس وعبد الله البزايعة اللذين صدر بحقهما حكم قضائي بالحبس ثلاث سنوات من المحكمة الجزائية اليمنية بتهمة انتمائهما إلى خلية إرهابية شاركت بالقتال مع تنظيم القاعدة في اليمن، وكذلك الحال بالنسبة للمواطن الأردني حسام الصمادي الذي قضت المحاكم الأمريكية بحبسه بتهمة محاولته تفجير ناطحة سحاب في دالاس بولاية تكساس الأمريكية.

إن من أفضل النظم السياسية التي وفرت حماية دستورية وقانونية لرعاياها في الخارج الشقيقة مصر التي أصدرت قانونا خاصا بالهجرة ورعاية المصريين في الخارج رقم (11) لسنة 1983 ينص على أن ترعى الدولة المصريين في الخارج، وأن تعمل بكافة الوسائل على تدعيم صلاتهم بمصر، وأن تقوم من خلال وزارة الهجرة التي أنشئت لتلك الغاية على تنفيذ ومتابعة سياسة هجرة المصريين إلى الخارج بهدف تدعيم صلاتهم بالوطن ودراسة واقتراح كافة الوسائل الممكنة لتمكين المصريين الموجودين في الخارج من المساهمة بمدخراتهم في خدمة مشروعات التنمية الإنتاجية في مصر.

وقد انعكست السياسة المصرية في حماية حقوق رعاياها المهاجرين على نصوص الدستور المصري الجديد لعام 2012 حيث تنص المادة (56) منه على أن ترعى الدولة مصالح المصريين المقيمين بالخارج وتحميهم وتكفل حقوقهم وحرياتهم وتعينهم على أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع المصري، وتشجع إسهامهم في تنمية الوطن على أن ينظم القانون مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات.

إن لجمهورية مصر العربية مبرراتها السياسية والاجتماعية الخاصة التي تدفعها للتركيز على قضية المصريين في الخارج من خلال إنشاء وزارة خاصة بالهجرة وإيجاد تشريع دستوري وقانوني خاص بحماية حقوق مواطنيها في الخارج وذلك نظرا للعدد الكبير من المصريين الموجودين في الخارج للعمل بشكل دائم أو مؤقت، وهو ما لا ينطبق على الحالة الأردنية. إلا أن ذلك الأمر يجب أن لا يكون مبررا لعدم إيلاء حقوق الأردنيين الدستورية في الخارج أهمية إضافية وذلك من خلال النص صراحة في الدستور الأردني على أن تضمن الدولة حماية حقوق الأردنيين في الخارج. كما يمكن أن تقوم الدولة الأردنية بتفعيل إدارة الشؤون القنصلية والمغتربين في وزارة الخارجية وذلك بهدف رعاية مصالح الجاليات الأردنية والمغتربين الأردنيين في الخارج وتنمية علاقاتهم بالوطن، وأن يتم تسخير كافة الإمكانات الدبلوماسية والقنصلية لحماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية ومتابعة مشاكلهم وقضاياهم الخاصة بهم بأقصى سرعة وكفاءة ممكنة مع ضرورة الحفاظ على مبدأي الخصوصية والسرية في التعاطي مع شؤونهم في الخارج.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك