باختزال المبدعين وعبقرية الفنان، لخص رسام الكاريكاتير في "الغد" الزميل الصديق عماد حجاج الحالة العامة التي تعيشها مناطق عديدة من جراء تداعيات الانتخابات البلدية؛ فرسم يوم الخميس الماضي لوحة مشرقة على الصفحة الأخيرة، عنوانها بلبلة البلديات، متحدثا على لسان شخصيته العبقرية "أبو محجوب"،
ومن طاولة الحوار المنصوبة في شارع مغلق بالحجارة والإطارات المشتعلة، وتحت علم شعاره الجرافة والقلابات، وبجانبه شخص يرفع السلاح، "سجل عندك: المجلس الوطني البلدي الانتقالي للحارة الفوقا يعلن استقلاله التام عن الحارة التحتا ورغبته بعلاقة متوازنة وودية مع الجميع.. وإنها لفورة حتى الفصل".
لا أحد كان يتمنى أن تكون تجربة الانتخابات البلدية سوى مدماك حقيقي في برنامج الإصلاح السياسي الشامل، وتجسيد للمرحلة الثانية للتعديلات الدستورية. لكن يبدو أن مجسات التقاط الحالة الشعبية الأردنية ما تزال تعتمد على العقلية السابقة، ولم تقتنع بعد أن تغييرا بنيويا حدث في الواقع الجديد بعد أن فرضت الحركات الشبابية والشعبية أجندتها، وتجاوزت مفهوم القوى السابقة التي كانت تتحدث دوما باسم الشارع الأردني، وهي فعليا لا تمثل ما نسبته
10 % منه، وأعني بذلك -بوضوح- الأحزاب الأردنية التقليدية بما فيها الحركة الإسلامية.
الآن، هناك قوى قد نختلف أو نتفق مع بعضها، لا بد من محاورتها والاستماع إليها وإلى مطالبها، وهي فعليا القوى المؤثرة في مزاج الحراك الشعبي والمناطقي الاجتماعي في قضية البلديات، وتغييبها ليس في مصلحة أحد، لأننا لا ندري إلى أين يمكن أن تصل بنا حالة "الفوضى الخلاقة" التي تقع هنا وهناك، ولا ندري بعد ذلك من الجهة التي ستتحمل المسؤولية إذا -لا سمح الله- سارت الأمور بمناح غير متوقعة.
نتطلع إلى محطة الانتخابات البلدية بقلق كبير ومشروع بسبب بعض الارتجال في القرارات الإدارية التي يشوبها كثير من المخاطر وردود الفعل في شأن عام، ستكون له نتائج مباشرة وذات مساس بأوضاع فئات المجتمع الأردني جميعها.
لم تقف أي من الحكومات أبداً لتراجع تجربة الانتخابات البلدية الماضية (العام 2007) بعد قرار دمج البلديات الذي أثار موجة عاصفة من الانتقادات، وأدى إلى تراجع دور المجالس البلدية بصورة مريعة، خصوصاً فيما يتعلق بتقديم الخدمات للقرى والبلدات الصغيرة في المحافظات، ولا الإشكالات البينية في إطار المجالس البلدية، وتقديم الاستقالات المتتالية من عضويتها، ثم قرار حل المجالس في آذار (مارس) من العام الحالي.
كانت فرصة لا تقدر بثمن عندما تمّ تقديم مشروع قانون البلديات للتعديل في إطار مشروع الإصلاح السياسي في ظل احتجاجات شعبية تطالب بقوانين متقدمة وحل المشاكل المعقدة الناجمة عن قانون الصوت الواحد والتلاعب بنتائج الانتخابات البلدية السابقة.
كانت فرصة ذهبية لتقديم نموذج متقدم ومتوازن لقانون جديد يعالج موضوع "فكّ وتركيب المجالس البلدية"، بناء على دراسة العوامل الموضوعية المتعلقة بالجغرافيا وعدد السكان والموازنة العامة، إضافة إلى تطوير وظائف البلديات ودورها في تقديم الخدمات وسدّ الاحتياجات الشعبية المتكرّرة. وبدلاً من كل ذلك أقر القانون الجديد بمواد جديدة، من دون الالتفات إلى ضرورة معالجة المشكلة الأكثر تفاقماً والمتعلقة بتجربة دمج البلديات.
لم نقف أمام أشد الأوجاع التي يعانيها الناس، وما تزال من دون علاج، ما أثار سخط الشارع على نطاق واسع، وأثار شهيّة كثير من المجموعات السكانية قليلة العدد للمطالبة بمجالس بلدية مستقلة، أملاً في وظائف جديدة للأبناء العاطلين عن العمل، وخدمات جديدة تقدّم للقرى والبلدات المهملة.
في ضوء كل ذلك نتساءل بحقّ، وأيدينا على قلوبنا: كيف ستجرى الانتخابات بدءاً من إجراءات التسجيل في ضوء البلديات الناشئة، وما حدودها الإدارية؟ وأسئلة كثيرة لا توجد لها إجابات.
الآن وبعد الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها المعلن حكوميا، لا بد من قانون نوعي متطور للهيئة المشرفة على الانتخابات، ومرورا بممارسة شفافة في التسجيل للانتخابات، وتحديداً لدى مناطق البلديات الناشئة، وانتهاء بالإجراءات الضرورية عشية ويوم الانتخابات بما يحول دون التلاعب بالنتائج، ودون حدوث صراعات جهوية لا قدّر الله.
نريد نموذجاً يحتذى في الانتخابات لطيّ صفحة انتخابات العام 2007، والتقدم إلى الأمام نحو مفصل جديد وناصع في الحياة السياسية والاجتماعية والديمقراطية.
الغد