حرب خاسرة ضد المجتمع المدني

حرب خاسرة ضد المجتمع المدني
الرابط المختصر

تنامت أدوار المجتمع المدني في الحياة العامة خلال السنوات الأخيرة، وتنوعت واتسعت لتشمل مراقبة أداء الحكومات في مجال احترام معايير حقوق الانسان، ومراقبة العمليات الانتخابية  المختلفة، وتحليل السياسات العامة في مجالات عديدة وتقديم سياسات بديلة بجانب أدوار تقليدية تتمثل في تقديم خدمات للمواطنين، وممارسة أنشطة إنسانية متنوعة.

أصبح من المسلمات، في عالمنا المعاصر، أن يلعب المجتمع المدني هكذا أدوار بموازاة فاعلين ولاعبين آخرين مثل الحكومات والبرلمانات والأحزاب والإعلام، وأدواره لا تقل أهمية عن أدوارهم. ومن المفيد الإشارة أنه ليس بديلاً عنهم بل هو فاعل إلى جانبهم.

يتمثل المجتمع المدني، بمفهومه الواسع، في مجموعة تنظيمات وحركات طوعية حرة تملأ الفضاء العام بين الأسرة والدولة، وهي تنشأ لتحقيق مصالح أعضائها، وتقديم خدمات للمواطنين، وممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والمشاركة والإدارة السليمة للتنوع والاختلاف، ويشمل ذلك النشطاء الاجتماعيين ومراكز الدراسات والبحوث والنقابات وغيرها، وتعمل خارج إطار المنظمات والأحزاب السياسية التي تهدف إلى الوصول للسلطة.

ولعل تنامي أدوار المجتمع المدني بسبب العمل الاحترافي للعديد من منظماته أثار حفيظة لاعبين آخرين، خاصة الرسميين منهم مثل بعض المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين الذين اعتادوا العمل من دون رقابة ومساءلة ومشاركة، وهي ضمن أدوار المجتمع المدني ومسؤولياته.

ارتفعت أصوات رسمية وبرلمانية خلال الأشهر القليلة الماضية بوجه المجتمع المدني الأردني وأدواره، مصدرة أحكاما مطلقة تجاه مؤسساته، ومتهمة إياه بممارسة الفساد والتعامل مع جهات أجنبية وغيرها من التهم. ولعل هذه الأصوات لم تأخذ بعين الاعتبار أن المجتمع المدني مكون أساسي من مكونات المجتمع والدولة الأردنية، وما ينطبق على مؤسسات المجتمع والدولة ينطبق عليه، لذلك فإن التعميم يجانب الحقيقة، وفي جميع الأحوال فإن القضاء الأردني هو صاحب القول في هذا الشأن ومن يصدر الأحكام.

لا تعمل المؤسسات في العالم بغض النظر عن اختصاصاتها ومجالات عملها -ليس في الأردن فقط- وحدها وفي جزر معزولة. وفي هذا العالم المعولم، لا تستطيع الحكومات العمل بمعزل عن التنسيق والتعاون أو الاشتباك مع حكومات أخرى في أطر دولية وإقليمية مختلفة، وكذلك البرلمانات، ومختلف مكونات الدولة لها ما يوازيها في دول أخرى، ما ينطبق على منظمات المجتمع المدني، التي تقوم على التنسيق والشراكات مع ما يوازيها في أنحاء العالم كل في مجال اختصاصه.

ويأتي تمويل أنشطة المجتمع المدني من منظمات دولية أو إقليمية أو حكومات أو شركات قطاع خاص، والمجتمع المدني الأردني ليس استثناء، فهو جزء من المجتمع المدني العالمي، ويعمل وفق الأسس والمعايير ذاتها.

والفيصل في عمل المجتمع المدني، في كل دول العالم، يتمثل في حاكمية القوانين والأنظمة التي تنظم عمله، ومدى استخدامه لمعايير الحوكمة الرشيدة، أسوة بمؤسسات أخرى؛ حكومية أو خاصة، ومن يحدد سلامة هذه الممارسات هو السلطة القضائية.

وعليه، تُيسر الدول المتقدمة والناجحة عمل المجتمع المدني، وتطوّر البيئة القانونية والعملية لعمل مكون مجتمعي أساسي من مكونات الدولة، لأن البديل عنه هو أطر تقليدية تعزز النعرات الجهوية والطائفية وغيرها، بينما الأطر المدنية هي الضامن الأساسي للتغيير المجتمعي السلمي، وهي بذلك حاجة وضرورة أساسية لتطور المجتمع والدولة الأردنية.

وللأسف، تفتقر البيئة الناظمة لعمل منظمات المجتمع المدني الأردني إلى مقومات عدة تضمن عملها بشكل فعال، لذلك بات مطلوباً إعادة النظر بمجمل التشريعات والسياسات التي تنظم عمل هذا المجتمع بما يضمن قيامه بالأدوار المتوقعة منه.

 

·        أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية.

 

 

أضف تعليقك