حربنا العبثية في اليمن

حربنا العبثية في اليمن
الرابط المختصر

يُلزم النظام الأردني –مثل سائر الأنظمة العربية- مواطنيه بفرضيات مغلوطةً كلما اندلعت أزمة في بلد عربي خلال السنوات الأربع الماضية، وآخرها اليمن، إذ يتصدر سؤال: مع أي طرفٍ نصطف؟ وينخرط الكل في ترويج شعارات لا تخصنا، ويغيب التساؤل الأساسي عن مصلحتنا الوطنية التي يقدرها، بالعادة، خبراءٌ يقدّمون رؤاهم المتخصصة إلى مؤسسات الدولة لتحدد موقفها ضمن مسار سياسي متفق عليه لاتخاذ القرار، وليس بإخضاعنا لمنظومة أمنية تفرضها لعبة المحاور في المنطقة.

 

المفارقة الأليمة بأن العرب باتوا أسرى حسابات الأمن في إدارة حكمهم وفي رسم علاقاتهم الإقليمية والدولية، وهم يخوضون حروباً عبثية ثم يخفقون في إيجاد تسويات عادلة ومفيدة لن تصنعها دول عاجزة ومرتهنة تجهل الأهداف الحقيقية وراء حروبها، ومتى وكيف ستنتهي، وبسبب حالة الفشل والعجز هذه تنعدم الثقة بين الأطراف المتصارعة مما يبعد فرص تسوية تؤسس أوطاناً جديدة تقبل جميع أبنائها بلا استثناءات مذهبية أو طائفية أو عرقية.

 

تنطلي الخدعة على الجميع؛ نخبةً وعامةً، ويتصور كل فرد منّا أنه باحث استراتيجي يمتلك رأياً وازناً، ويذهب المؤيدون والمعارضون للأعمال العسكرية بقيادة السعودية في اليمن إلى تحليل يغيّب المصالح الأردنية تحديداً، حيث يُدافعون عن "شرعية" تفصّل على مقاس الرياض، أو "ثورة" تؤيدها طهران، متجاهلين أن إمكانية كلا الطرفين استنزاف بعضهما سنوات طويلة لا تعني بالمطلق قدرة أي منهما الانتصار على الآخر، وهذه خلاصة كفيلة بلجم المغامرة الأردنية –على الأقل- في الانجرار، بحسب المصادر المتوافرة، نحو تدخل بري أو الاستمرار في حربٍ لا نهاية متوقعة لها، وستكلفنا الكثير؛ كرامةً وضحايا.

 

إقصاء متعمد لأية مقاربة وطنية تجاه النزاعات الدائرة في سورية والعراق واليمن وليبيا، كان بوسعنا اختبارها وتطبيقها لو أنجزنا مشاركة شعبية وآلية ديمقراطية في صنع القرار، غير أن التهرب من تنفيذ الإصلاح والتنمية ومكافحة الفساد قادنا إلى الارتهان لمحور إقليمي بعينه، ما أنتج تفرداً في الحكْم وتعميةً في مناقشة الوقائع المتلاحقة.

 

كيف لنا كمواطنين أن نطمئن إلى مسار الحرب في اليمن بكل التنظيرات المرافقة لها، وليس لدينا تصور واضح لمآل الحرب القائمة ضد داعش منذ أكثر من ستة شهور، وكيف لنا أن نثق بمسؤولين يقودون المرحلة بنفاقهم وفسادهم ونحن وراؤهم بخوفنا وغياب المعرفة.

 

يتناسى هؤلاء أنهم فشلوا في مراحل سابقة، وأن ثرثرتهم عقوداً ماضية لم تحلّ الأزمات، إنما فاقمتها، ولا زلنا نواجه الفقر والبطالة والفساد وغياب منظومة الرقابة والشفافية وديمقراطية مشوهة وخللاً فادحاً في توزيع الثروات وتراجعاً خطيراً في التعليم والصحة والبنية التحتية والخدمات العامة، وعليه فإن نخبة الحكْم غير مؤهلة لاتخاذ قرارات الحرب والسلم أيضاً.

 

إزاء المعطيات الراهنة يغدو إعلان الحرب وتسويقها مجرد تضليلٍ لا يستند إلى قرار وطني واستراتيجية مدروسة، ويجري تباعاً تصميم دعاية أمنية قائمة على التحريض وإثارة الغرائز والنعرات العنصرية سواء بحجب المعلومة أو تخيير المواطن بين أحد المحاور لزاماً عبر بثّ أطروحات مجتزأة وسطحية وغير واقعية.

 

 

تحتشد وسائل إعلامنا بمحللين يبررون دخولنا الحرب لوقف التمدد الإيراني، إلاّ أن المتابع لتطوّر الأحداث في سورية والعراق يلحظ ازدياد نفوذ طهران عند تأجج الصراع وتلقي الأطراف المعادية لها دعماً خليجياً!

 

نتأكد يوماً بعد يوم أن هناك إفلاساً عربياً شاملاً في قراءة العلاقة مع إيران، أو اعتماد نهجٍ محدد للتعامل معها، وحينها ترفع أنظمتنا مقولات طائفية أو شوفينية لتحريك المشاعر الجمعية لدى مواطنيها لا يجدر بنا تسويغها وإن لجأ إليها الطرف المقابل والإعلام المحسوب عليه.

 

إفلاس مردّه الأخطاء المتراكمة في إدارة دولنا العربية جعلها عرضة للفوضى والتقاتل الأهلي والتقسيم -من دون إنكار المطامع الخارجية بالتأكيد- وعلى الدول التي نجت حتى هذه اللحظة، ومنها الأردن، أن تسارع إلى الإصلاح من أجل تحقيق التنمية الشاملة والمواطنة، وإلاّ فإنها ستلقى مصير شقيقاتها إذا استمرت في خوضها حروباً وتسويات عبثيةٍ.

 

  • محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

 

أضف تعليقك