حب السلطة والتسلط من سمات الشخصية الأردنية

حب السلطة والتسلط من سمات الشخصية الأردنية
الرابط المختصر

السلطة ظاهرة طبيعية تدعو إليها طبيعة المجتمع الإنساني وحاجته إلى العدل والأمن والاستقرار ودفع أذى الناس بعضهم عن بعض، وتصريف شؤونهم بمقتضى القانون والعدل. غير أن السلطة في مجتمعنا الأردني وفي المجتمعات العربية وغير العربية تقترن في كثير من الأحيان بالتسلط. بمعنى أنها تُسْتَخْدَم كأداة لممارسة الضغط والقهر والظلم على الأفراد، ويقابلها الأفراد بظواهر سلبية كالتذلل والخضوع والنفاق والتملق والكذب وغيرها من الممارسات السلوكية السلبية.

ويبدو أن الميل إلى السلطة أو الرغبة في الوصول إليها ليست ظاهرة أردنية فحسب بل هي ظاهرة عربية قديمة أيضاً. فقد أشار ابن خلدون إلى حب العرب وميلهم إلى السلطة أو الرئاسة وتنافسهم في السعي إليها. يقول ابن خلدون في مقدمته: "العرب يتنافسون في الرئاسة وقلَّ أن يُسَلِّمَ الواحد منهم الأمر لغيره، ولو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته إلا في الأقل".

وقد أدركت الحكومات الأردنية حب الناس وميلهم للسلطة نظراً لما يرتبط بها من مصالح ومنافع معنوية ومادية، فتبنت سياسة معينة منذ تأسيس الإمارة، تقوم على أساس ربط مصالح الناس بالسلطة.

ومع أن ربط مصالح الناس بالسلطة هو استراتيجية أساسية تتبناها وتأخذ بها كل الأنظمة العربية لتعظيم مقدرتها على إخضاع الناس لها، أو اضطرارهم للتقرب إليها والنفاق لها، إلا أن الأسلوب في الأردن يكاد يكون فريداً من نوعه، ويعتمد على تغيير الوزارات والحكومات وتعديلها في فترات زمنية قصيرة، لكي تتهيأ الفرص لأعداد كبيرة من الناس للوصول إلى كرسي وزاري، أو الحصول على وظيفة حكومية عالية، وبالتالي الحصول على مكتسبات مادية. وتفيد الدراسات أن معدل عمر الحكومات الأردنية منذ نشأة الإمارة حتى يومنا هذا لا يتجاوز السنة. وقد بلغ عدد الحكومات التي تعاقبت على الحكم في الأردن خلال سنة ونصف السنة أربع حكومات هي: حكومة سمير الرفاعي، وحكومة عدنان البخيت، وحكومة عون الخصاونة، وحكومة فايز الطراونة.

وبمقتضى هذا الأسلوب ازداد عدد الباحثين عن حقائب وزارية أو مراكز إدارية عليا في الدولة، وبالتالي ازداد عدد "الصالونات السياسية" التي يرتادها أُناس مثقفون ينتمون إلى فئات اجتماعية مختلفة بقصد التوسط لدى أصحاب السلطة للحصول على مراكز أو وظائف في الدولة. وبوجه عام يرتاد هذه الصالونات كل طامع في السلطة أو راغب فيها. ويتسابق بعض المفكرين والعلماء والمثقفين الأردنيين للانضمام لهذه الصالونات كخطوة أولية للدخول في نطاق الطبقة الأرستقراطية الحاكمة. وقد ينتمي الواحد منهم إلى أكثر من صالون سياسي واحد بحيث يزور في ليلة واحدة صالونات عديدة، ولكنه لا يلبث أن يذم صاحب الصالون الذي تركه ويمدح صاحب الصالون الذي انتقل إليه، وهكذا دواليك. ويدور الحديث في الصالونات حول موعد تشكيل الوزارة الجديدة، ومحاولة معرفة اسم رئيس الوزراء المقبل ووزرائه، ومن سيخرج من الوزارة المستقيلة ومن سيدخل الوزارة الجديدة. ونادراً ما يدور الحديث في هذه الصالونات عن مصلحة وطنية عامة. وفي إحدى الخطب الملكية في مطلع عام 2003م، هاجم جلالة الملك عبد الله الثاني هذه الصالونات السياسية واتهم الذين يرتادونها بالإساءة إلى الوطن والوطنية.

وقد عبَّرت الأمثال الشعبية في الأردن عن سمة اللامبالاة وعدم الاكتراث والشعور بالعجز والهروب من الواقع كما يلي:

1.عين ما تقاوم مخرز.

2.ابعد عن الشر وغني له.

3.احبس لسانك أحسن من ما يحبسك.

4.احرص على منحوسك حتى لا يجيك أنحس منه.

5.ألف عين تبكي ولا عين أمي تبكي.

6.اربط الحمار محل ما يقول لك صاحبه.

7.اللي ما له أب إله رب.

8.حط رأسك بين الروس وقول يا قطاع الروس.

9.الشُبَّاك اللي يجيك منه الريح سده واستريح.

10.فخار يكسر بعضه.

11.إن لقيت قوم يعبدون العجل حشْ واطعمه.

12.ألف عين تبكي ولا عين أمي تدمع.

13.اللي بيطلَّع لفوق ينخلع رأسه.

14.للحيطان آذان.

15.شهر ما لَكَ فيه لا تعد أيامه.

لقد انعكست ظاهرة اللامبالاة وعدم احترام القوانين والأنظمة على سلوك عدد كبير من الأردنيين من مختلف الطبقات الاجتماعية. وقد تبلورت هذه الظاهرة في الممارسات التالية: إطلاق الرصاص في الأفراح، الأخذ بالثأر، مسيرات الطلبة بسياراتهم في الشوارع بصورة جنونية بعد انتهاء حفلات التخرج من كليات المجتمع والجامعات، التشحيط بالسيارات والسرعة الزائدة، البصق في الشوارع ومن نوافذ السيارات، رمي الفضلات من نوافذ السيارات إلى الشارع، ترك الفضلات في المناطق السياحية، تخريب الممتلكات العامة والخاصة بلا سبب، الكتابة على أسوار المنازل أيام الانتخابات البلدية والبرلمانية، تحطيم وسائط النقل، قطع الشارع بالسيارة أثناء إشارة المرور الحمراء، وقف السيارات في صف مزدوج، الحديث بوصف عال وتبادل الشتائم واستعمال العنف لأتفه الأسباب، وغير ذلك من مظاهر السلوك المنحرف.

يعزو هشام شرابي كثيراً من السمات السلبية في الشخصية العربية، والشخصية الأردنية بطبيعة الحال، إلى الأسلوب الذي تمارسه الأسرة العربية في تربية أبنائها. فظواهر التواكل والاتكال على الآخرين وضعف قدرة الفرد على مواجهة المشكلات أو معالجتها بصورة جذرية، واللامبالاة والتملق والإذعان وعدم تحمل المسؤولية، والانسحاب والهرب من مواجهة المشكلات، والنفاق والرياء والمسايرة والمجاملة، كلها سمات سلبية عملت التربية الأسرية العربية السلطوية على زرعها في نفس الطفل. ولا شك أن المُتمعِّن في الأساليب التربوية التي تمارسها الأسرة الأردنية يلاحظ أنها تنمي في نفوس أفرادها كل السمات السلبية التي أشار لها هشام شرابي وحليم بركات. فالفرد الأردني ينهل من الثقافة ذاتها التي ينهل منها الأفراد في المجتمعات العربية الأخرى.

العرب اليوم

أضف تعليقك