حالة البلاد...!
يخطر في البال وخلال قراءة تقرير "حالة البلاد" الذي صدر امس عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، القرار الذي اتخذه البنك المركزي، الاحد، ورفع فيه سعر الفائدة تماشيا مع قرار الاحتياطي الفيدرالي الامريكي، ما سجله تقرير حالة البلاد في هذا الشأن.
يسجل التقرير في القسم الثاني منه مأخذ على سياسة البنك المركزي النقدية، بانه جعل "السياسة النقدية مرتبطة بالدورة الاقتصادية الامريكية بشكل اكبر من المحلية".
وهذا في معرض مراجعة التقرير للسياسات النقدية واثرها في الاقتصاد المحلي، ومدى ارتباط هذه السياسة بالاحتياطي الفيدرالي.
المفارقة انه عندما انتهج البنك المركزي سياسة نقدية توسعية بعد الازمة المالية العالمية، 2008، مقتفيا اثر الاحتياطي الفيدرالي، وقام بخفض سعر الفائدة، من بين اجراءات اخرى، لم تنعكس اجراءات البنك على الاقتصاد ايجاباً، وبقيت البنوك متحفظة في منح التسهيلات، وفضلت اقراض الحكومة على القطاع الخاص، وتحديدا الصناعي، الذي بقي نصييه الاقل في التمويل. يعني بتشعر انه البنك المركزي والبنوك الخاصة عندها عقلية "اكتناز الذهب والفضة"، او على راي التقرير كل هدف هذه السياسة الحفاظ على الاستقرار النقدي وبناء الاحتياطات المالية. بغض النظر عن اداء الاقتصاد.
ونفس الحال مع الحكومة، التي يقول التقرير فيها انها تعمل على زيادة ايراداتها بغض النظر عن انكماش الاقتصاد.
التقرير يوصي مثلا بتحفيز الاقتصاد، حتى لو اضطر البنك المركزي للتدخل المباشر.
المشكلة انه البنك المركزي الان ينتهج سياسة نقدية تقشفية، تماشيا مع الاحتياطي الامريكي، فكيف له ان يتدخل الان؟.
بتشعر اننا نعيش في جزر معزولة، او على راي التقرير، لا يوجد تنسيق او تشبيك. الحكومة الحالية تسعى لتحفيز الاقتصاد، واقطابها يتحدثون عن سياسات توسعية، وبنك مركزي، مستقل قانونا، ينفذ سياسة انكماشية، وبنوك خاصة لم تستجب عندما تم انتهاج سياسات تحفيز؟.
كيف ممكن تحل الدول معضلة استقلال البنوك المركزية؟. حتى الرئيس الامريكي ترمب يشتكي من سياسة الاحتياطي الفيدرالي، ويتهم محافظه، جيروم باول، بانه يعمل ضد سياساته الاقتصادية.
المهم
على اي حال، تقرير "حالة البلاد"،في القسم الاول منه، يصف مدى "انكشاف" الاقتصاد المحلي على الخارج.
فبعد استعراض عام وشامل للمراحل التي مر بها الاقتصاد المحلي، ويصنفها باربعة مراحل، ما قبل 1989،ويضعها كلها في تصنيف واحد، مرحلة القطاع العام وتدخل الدولة في الاقتصاد، وهذا تصنيف قد يكون غير دقيق، فمرحلة القطاع العام بدات متاخرة في الاردن، وبالتحديد مع مطلع ستينيات القرن الماضي.
ثم مراحل "التصحيح، من 1989 الى الان.
بعد هذا العرض السريع لمراحل الاقتصاد، يراجع التقرير تداعيات المتغيرات العالمية والاقليمية على الاقتصاد المحلي:
الازمة الاقتصادية العالمية، تذبذب اسعار النفط، ارتفاعا وهبوطا، الربيع العربي، اغلاق المنافذ الحدودية مع العراق وسوريا، تدفق اللاجئين السوريين، ظهور داعش، المتغيرات في السعودية، حرب اليمن، الازمة الخليجية، تفجير انبوب الغاز المصري.
يبحث في اثر هذه المتغيرات في كافة المجالات الاقتصادية، ويكشف هذا البحث احد اهم مشاكل الاقتصاد، اي مدى انكشافه للخارج.
مشكلة هذا الانكشاف، هو انه الاقتصاد المحلي لا يستفيد كثيرا حتى من بعض التطورات الايجابية، فانخفاض اسعار النفط مثلا، له اثار سلبية على الاقتصاد تزيد عن الايجابية، ذلك ان انخفاض سعر النفط اثر سلبا على حجم التدفقات المالية والاستثمارية من مساعدات وحولات العاملين في الخارج والاستثمار خاصة في بورصة عمان.
التقرير في هذا الشان يوصي بتعزيز سياسة الاعتماد على الذات، واتباع سياسات حمائية ومنع الاغراق، خاصة اغراق السوق بالسلع الصينية. وتقليل الاعتماد على المساعدات، وعلى الطاقة المستوردة، ومراجعة اتفاقيات التجارة...
على كل، التقرير حتى الان، في اول 3 اقسام، لم يات بجديد، كان عرض وتوصيف وتجميع لما هو معروف.
الغريب انه التقرير في المقدمة، التي استهدفت تقديم تحليل لتطور الاقتصاد في مراحله الاربعة، تجنب مسائل كثيرة، مثل الخصخصة، الفساد، التفاوت الطبقي، وطبعا ما اي اشارة للشفافية، للانفاق الامني والعسكري...!
هذه ملاحظات سريعة جدا على بداية التقرير، انما هذا لا يلغي اهمية التقرير..