بعد أن هدأت الأمور قليلا في الفحيص، نحتاج الآن إلى معالجات عاقلة حتى لا نصل في يوم من الأيام إلى مرحلة تهديد السِّلم الأهلي الذي نفتخر به، نتيجة حادثة عابرة، لا يمكن اعتبارها خلافا إسلاميا مسيحيا، لكنها حادثة تسبب حرجا اجتماعيا حتى لو كانت زواجا طبيعيا من الديانة نفسها .
منذ نحو خمسين عاما أعيش في الفحيص، في مجتمع لم ألمس فيه يوما تعصبا دينيا، بل على العكس، مجتمع متماسك يتسم بالتسامح والحضارة والنخوة، والتمسك بالعادات العربية أكثر من أي مجتمعات أخرى.
لا يجوز أن تسمح الحكومة وأجهزتها لأي كان أن يقوم بالتحريض ضد أبناء الديانات الأخرى، ولا يجوز السماح لشيخ أو داعية بامتلاك موقع الكتروني يقوم من خلاله بالتحريض وتبني الحالات الاجتماعية والعاطفية على أنها دينية محض، وفتح للإسلام.
يتكون النسيج الاجتماعي في الأردن من عدة مكونات، تمثل لوحة فسيفسائية جميلة ومتنوعة، تمنح البلاد روح السِّلم والاطمئنان، والمحافظة على صلابة هذه المكونات وحمايتها يحفظ السِّلم الأهلي في الأردن، وهي مسؤولية جماعية، من الدولة أولا، والمكونات ذاتها ثانيا.
في أكثر من كتاب صادر عن قاضي القضاة، يعالج هذه القضايا بأسلوب عقلاني ونزيه، على القضاة الشرعيين الالتزام به، وهذا كتاب صادر عن قاضي القضاة السابق المرحوم عز الدين الخطيب التميمي، أنشره كاملا حتى يكتشف الجميع خطورة ما يحدث وخاصة في القضايا الخلافية، وكيف يُستغل الموضوع الديني في قضايا دنيوية.
نص الكتاب "لا زالت بعض المحاكم الشرعية مقصرة بواجبها تجاه من يرغبون في اعتناق الدين الاسلامي الحنيف, حيث ان الكثير منهم يلجأون الى المحاكم الشرعية ويطلبون تسجيل حجج اسلام لهم بغية الوصول الى اهداف دنيوية منها التهرب من الاحكام التي تصدر عليهم من المحاكم الكنسية. او الرغبة في الزواج او الطلاق وبعد تحقيق الهدف يعمل الكثير منهم على ترك الدين الاسلامي مرتدا عنه.
وحيث لا يجوز بحال ان يكون الدين الاسلامي مطية يستغل لاهداف دنيوية لا بد من وضع حد لمثل هذه التصرفات التي تؤثر في واقعنا الاجتماعي وحفظا للحقوق. وصونا للححج الصادرة عن المحاكم الشرعية وحفاظا على الروابط الاسرية والاجتماعية.
أرجو التحقق والتثبت من الأمور التالية:-
1- عند تقديم معاملة زواج من أردنية من أهل الكتاب يجب على المحكمة أن تتحقق من أهلية الخاطبين وتأمين الحماية الأمنية والاجتماعية لهما. ورفع معاملة الزواج لهذه الدائرة لتدقيقها قبل إجراء عقد الزواج حيث أن كثيرا ممن يعقد عليهن من الأردنيات ومن أهل الكتاب يتعرضن لضغوط نفسانية واجتماعية قاهرة إذا ما وقع الطلاق عليهن بعد ذلك ولا يجدن من يحميهن او يرعاهن بعد ذلك.
ب- عند تقديم معاملة إسلام من أي شخص ذكر كان أم أنثى على المحكمة أن تتحقق مما يلي:
أ- عدم وجود دعوى قضائية مقامة منه أو عليه لدى أية محكمة شرعية او نظامية او كنسية وتكليف صاحب العلاقة بإبراز شهادة براءة ذمة من تلك المحكمة.
ب- إبراز شهادة من الحاكم الإداري تفيد تأمين الحماية الأمنية والاجتماعية لصاحب العلاقة.
ج- التثبت من عدم وجود مصلحة دنيوية مهما كان نوعها.
د- أن تكون الغاية من إشهار الإسلام هي اعتناق الدين الإسلامي الحنيف عن قناعة تامة وعقيدة راسخة وأن يكون الشخص الراغب في اعتناق الإسلام مطلعا على أركان الإسلام وتعاليمه.
ه- رفع المعاملات المتعلقة بموضوع الزواج من الكتابيات أو إعلان الإسلام أو إشهاره إلى هذه الدائرة لتدقيقها قبل تسجيلها لديكم وأن يرفق معها الضبط المنظم حسب الأصول وإعلام المأذونين التابعين لمحكمتكم بهذه التعليمات للتقيّد بها أيضا وتحت طائلة المسؤولية". (انتهى النص)
كتاب قاضي القضاة، واضح وحازم، لكن التطبيق على الأرض، على عكس ذلك تماما، وتتم الاجراءات خلال دقائق ومن دون التحقق من شيء، ومن دون النظر الى التبعات الاجتماعية، فهل تُترك الأمور إلى حد أن تصل إلى كوارث، أم نعالجها بعقلانية وحزم؟.
العرب اليوم