جدولة الحراك المطلبي!

جدولة الحراك المطلبي!
الرابط المختصر

ما إن أعلنت الحكومة عن إنجاز مشروع إعادة الهيكلة للوظائف والرواتب، حتى بدأت سلسلة تحركات اعتراضية حتى قبل تبين الخيط الأبيض من الأسود فيما يخص الرواتب والعلاوات والامتيازات لكل فئة ووظيفة، وهي حسب المعنيين تحركات استباقية "خشية" أن يكون قد طال هذه الفئة أو تلك أي مس بالوضع الوظيفي أو المالي.
ثمّة متضررون من أصحاب الامتيازات والرواتب العالية، خصوصا في الهيئات المستقلّة، قد ينجحون في تحريك بقية الكادر الوظيفي. والتحركات الجديدة المرشحة للتكاثر كالفطر تضاف إلى ما هو قائم من اعتصامات وإضرابات وتحركات، وفي مقدمتها الإضراب الأطول الخاص بأطباء الصحة الذين يتحفز زملاؤهم في بقية القطاعات الصحية لشيء مماثل.
وهكذا أصبح مشهد الحراك الأردني في هذا الربيع العربي كما لو كان استثمارا مصلحيا للموسم لتحصيل ما يمكن تحصيله من مصالح أو "حقوق" يعتقد أصحابها أن الفرصة مواتية لممارسة أسرع وأقصى وسائل الضغط لتحقيقها.
لا بأس دائما في الحراك الاجتماعي-الاقتصادي المطلبي، لكنها ليست "جمعة مشمشية" يريد كل طرف أن يحقق فيها أقصى ما يستطيع من مكاسب.
والموازنة لا تستطيع توفير المال لاحتياجات وأولويات ملحة أو مطالب مزمنة لقطاعات تعاني من تدني الدخول، مثل قدامى المتقاعدين المدنيين والعسكريين، فما بالك بكلفة المطالب الجديدة لمختلف القطاعات على موازنة مثقلة سلفا، ويتوجب تخفيض عجزها الباهظ وليس زيادته؟!
يمكن لأسباب شعبوية مساندة كل مطلب، بما في ذلك مطالب الأطباء الذين بات إضرابهم الأطول في تاريخ المملكة. لكن هذا الموقف ليس من المسؤولية في شيء. وشخصيا، أرى أن الأمور قد دخلت في فوضى اجتماعية تزداد خطورة.
ولا جدوى من مقارنة أحقية هذه المطالب من المال العام مع ما يتمّ تداوله عن الفساد والهدر والامتيازات، فواقع الحال أن البلد في مأزق ولا يتوفر المال لكل هذه المطالب.
نعم، يجب المضي بقوّة في مكافحة الفساد واستعادة ما يمكن من أموال، لكن أيضا يجب "جدولة" المطالب وتهدئة الحراك المطلبي. وبكل مودّة نقول للأطباء إنه حان الوقت لوقف الإضراب وقبول العرض "المعقول" من الحكومة.
وحسب ما فهمنا، فالعرض ليس بعيدا عن مطالب الأطباء، ولو أنه يندرج ضمن النظام العام للخدمة المدنية وليس بنظام خاص للأطباء.  
البلد يعيش ورشة إصلاحية كبرى تشمل الدستور والبرلمان والانتخابات والأحزاب والبلديات والنقابات، وأجندة الحكومة مضغوطة بصورة هائلة سياسيا واقتصاديا، والتحركات المطلبية الفرعية المصحوبة بأقصى وسائل الضغط، مثل الاعتصامات والإضرابات، تربك خطط الإصلاح بصورة مقلقة، وقد تفتح الباب والمبرر لعودة القبضة الحديدية فيكون الجميع من الخاسرين.
الحقيقة الأخيرة أن المال غير متوفر الآن لكل هذه المطالبات، وهناك مسؤولية وطنية عامّة بعدم زيادة الضغوط كثيرا. ويمكن لكل قطاع إعادة جدولة المطالب والتحركات حتّى لا تقع البلاد في الفوضى والعجز.

الغد