جدل الفساد بين المجتمعات والحكومات
يقع اختلاف في كثير من الأحيان إن لم يكن دائما بين أهداف ومصالح المجتمعات والحكومات، الحكومات باعتبارها مؤسسة للحكم والإدارة، أو باعتبارها طبقة اجتماعية واقتصادية، ويفترض أن يؤدي هذا الجدل بين المصالح والأهداف إلى حلول إبداعية في الحكم والإدارة، ولكنه في كثير من الأحيان يؤدي إلى مشكلات مزمنة وراسخة تعوق الإصلاح وتكرس الفساد.
تميل الحكومات بطبيعة الحال إلى تقديم أفضل صورة عن أدائها ومنجزاتها، وفي استخدامها لمعلومات وأدوات قياس صحيحة تحاول أن تشكل اعتقادا بالإيجابية أو شعورا بالرضا، وتميل المجتمعات إلى ملاحظة النقص والتطلع الدائم إلى أهدافها المثالية والكبرى ومقارنة الواقع بهذه الأهداف والتطلعات، وبسبب ذلك فإنها تميل إلى النقد والتشاؤم. في دراسة التقارير والإحصاءات على سبيل المثال تحاول الحكومة تزيين الإنجازات ومقارنتها بالسنوات وبالدول (الأقل حظا)، وفي الوقت نفسه فإن المجتمعات تدعو إلى جسر الفرق والفجوة بين الواقع والتطلعات، ولأجل ذلك فإنها تقلل من شأن الإنجازات، وتلاحظ التقصير والخلل، ولكن هذا الجدل والخلاف يفترض أن يؤدي إلى برامج لإدارة الفرق وتعزير الإنجاز، والأهم من ذلك كله أن ينشئ آليات للرقابة والقياس والتخطيط، وفي أسوأ الأحوال وأكثرها شيوعا للأسف الشديد فإن الجدل يتحول إلى مزيد من الجهود لأجل العلاقات العامة وتقليل الحريات والشفافية.
وتسعى الحكومات إلى استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتقيس أداءها ونجاحها بقدراتها على زيادة الاستثمارات، ولكن المجتمعات تنظر إلى الاستثمارات الأجنبية بحذر وريبة، وتراها غالبا عبئا على الموارد والمرافق العامة، وخطرا على الاستثمار الوطني، وربما تكون بحد ذاتها نوعا من الفساد، ويفترض أن يؤدي الجدل حول ذلك إلى سياسات في التشغيل والمسؤولية الاجتماعية والإعفاءات والتسهيلات والتنافس تعود على الاقتصاد والتنمية والمجتمعات بالفائدة، ولكن مواصلة النظر إلى الاستثمار الأجنبي بأنه إنجاز تعتز به الحكومة وتدافع عنه في المؤتمرات والدراسات، بغض النظر عن حجم العبء الذي يشكله على الموارد، والفوائد الحقيقية المتأتية منه، يؤدي إلى عكس الأهداف المنتظرة. وتميل الحكومات إلى فرض الضرائب والرسوم ومنع التهريب، ولكن المجتمعات ترى في البضائع المهربة فرصة للحصول على سلع بجودة عالية وأسعار أقل، وبالتالي خدمة للاقتصاد، وأساسا لاقتصاد غير منظور يساهم في التنمية والتشغيل وخدمة المواطنين، ويفترض أن يؤدي ذلك إلى تعديل سياسات الضرائب والجمارك على النحو الذي يخدم المجتمعات وليس فقط لأغراض الجباية. وهكذا فإن ملاحظة الاختلاف في الأهداف والمصالح ينشئ ديناميات جديدة تطور الأعمال والسياسات، ولكن ذلك لا يحدث تلقائيا، فقد يؤدي إلى الانفصال والتربص والإفشال.