جدل الدوائر الافتراضية

جدل الدوائر الافتراضية

أمضينا الفترة منذ العام 1993 وحتى صدور قانون انتخاب 2010 ونحن نناقش ونتلمس آثار قانون الصوت الواحد على العمل السياسي والانتخابي الأردني، لنخرج بنتيجة أقنعت صناع القرار بضرورة تغييره، لأن مضاره السياسية فاقت فوائده، لكن ذلك لم يحدث!

وسنمضي فترة العشرين سنة المقبلة في نقاش وتلمس آثار "الدوائر الافتراضية" على حراكنا السياسي العام لكي نصل لمرحلة تتجلى فيها الانعكاسات التي ترتبت على الافتراضية في توزيع دوائرنا الانتخابية، التي نعتقد انها ستكون في أحسن الأحوال مزيجاً يحوي بعض الايجابيات لكن سلبياتها ستتفوق عليها.

ما نعلمه علم اليقين، في اللحظة الزمنية الراهنة، بأن مسألة الدوائر الافتراضية لا بد أن تتغير عاجلا ام آجلا، لأنها وان كانت تحقق مسيرة نصف الطريق باتجاه النهاية المرجوة إلا أنها ما تزال سياسيا أمراً غير طبيعي، وبالتالي غير مستدام، فهي في الحد الأدنى لا تعكس روح الانفتاح والتنافسية الكاملة، كما يجب أن يحدث في الديمقراطيات، بل إنها تقترب لذهنية المحاصصة السياسية، كما قرأتها نخبة صناع القرار التي تبنت قانون الانتخاب 2010.

إكمال نصف الطريق المتبقي يكون من خلال إكمال مشوار تقسيم الدوائر على مستوى الناخبين، كما حدث على مستوى المرشحين، وأن تحدد الدوائر الافتراضية جغرافيا تماما كما كانت دوائر انتخاباتنا الخمس والأربعون محددة في السابق.

فالمنطق الذي حفّز بمطبخ القرار إلى تبني الدوائر "الافتراضية" وعدم التحديد، يتمثل في صعوبة تقسيم الكتل السياسية والاجتماعية الاردنية بصورة مقنعة. لكن من قال إنّ هناك تقسيما للدوائر يصلح لأحجام الوحدات الاجتماعية-السياسية الأردنية أو في أي دولة أخرى، فهذه الوحدات عادة متباينة الحجم بشكل عميق، وعليها التكيف مع تقسيم الدوائر، لا أن تتكيف تقسيمات الدوائر الانتخابية في الدول معها؟!

ومن الذي قال بأنّ المطلوب تقسيم دوائر لا تقسم العائلات، ولا أهالي المناطق، ولا أصحاب الأصول الواحدة؟! فمن الطبيعي جدا أن يأتي ثلث أو ربع عشيرة أو عائلة أو أناس من أصول واحدة في دائرة لا تكون لهم الغلبة بها، وفي هذه الحالة تكون آلية حفاظهم على مصالحهم التمثيلية والتشريعية والرقابية من خلال قوة انتخابهم في تلك الدائرة، وليس في الدائرة الأم.

اللحظة الراهنة تشبه تلك التي سادت بعيد إقرار الصوت الواحد في العام 1993، فقد تم تسويقه آنذاك على أنه كالمطبق بالدول الديمقراطية التي يحظى بها الناخب بصوت واحد فقط، ولم يدرك سوى قلة أن عدم تقسيم الدوائر لعدد يساوي عدد مقاعد مجلس النواب في ظل الصوت الواحد معناه إعطاء قوى سياسية هائلة لوحدات المجتمع التقليدية وإضعاف التشكّلات الحديثة كالأحزاب.

الدائرة الافتراضية ليست بالضرورة شيئا إيجابيا للديمقراطية في الأردن، وهي لن تجلب نُوّابا أفضل، بل على الأرجح سيكونون أضعف، لأنهم الآن بحاجة لعدد أصوات أقل.

الدوائر الافتراضية، في الوقت نفسه، تعطي فرصة أكبر للأحزاب الكبيرة والمنظمة للفوز بمقاعد أكثر، وهي في حالة الأردن حزب جبهة العمل الإسلامي، وهذا ما لا يتوقع حدوثه أيضا لعدم تكرار أو حتى الاقتراب من تكرار تجربة حماس. إذا، حتى زيادة الحزبية في المجلس المقبل أمر لا يجب التعويل عليه كثيرا.

فلنتحضر جميعا لانتخابات تاريخية سيكون "التفاوض" على النفوذ السياسي من عناوينها الرئيسة، وليس المنافسة المفتوحة بين الأفكار والبرامج كما هو الأصل!

أضف تعليقك