توظيف حقوق الإنسان

توظيف حقوق الإنسان

تنتشر منذ عقود ظاهرة استغلال خطاب ومعايير حقوق الإنسان من قبل العديد من الحكومات والسياسيين وجماعات المصالح عبر التعامل معها بطريقة انتقائية لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية معينة، حيث تجري المطالبة باحترام حقوق الإنسان، أو التغاضي عنها، في إطار خدمته لمصالح هذه الجماعة أو تلك.

 

نلمس بشكل واضح استخدام خطاب ومعايير حقوق الانسان في الصراعات السياسية بين الدول الكبرى بوصفه إحدى أدوات السياسات الخارجية، ولعل الولايات المتحدة هي الأكثر بروزاً في هذا المضمار، حيث ترفع ملفات انتهاكات حقوق الإنسان بوجه خصومها من الحكومات التي تنتهك هذه الحقوق، ويظهر ذلك بوضوح في مفاوضاتها الاقتصادية والسياسية مع الصين وروسيا وإيران وغيرها لغايات الضغط السياسي عليها وتحقيق مكاسب تفاوضية، بينما تغيب ملفات انتهاكات حقوق الإنسان في علاقاتها مع حلفائها وأصدقائها مثل "إسرائيل"، والعديد من الدول، ومنها عربية.

 

لا تقتصر عمليات التوظيف والانتقائية في استخدام معايير حقوق الإنسان بين الدول فقط، إنما تعداها لتوّظف في الصراعات الداخلية في الدولة الواحدة بين التيارات والأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها ومشاربها، لا بل يمارس التوظيف والانتقائية عدد ممن يعملون في مجال حقوق الإنسان أنفسهم.

 

مواقف بعض التيارات والأحزاب والشخصيات السياسية المعارضة لاحتفالية جماعة "الإخوان المسلمين" في ذكرى تأسيسها، تتنافى بالمطلق مع حق الجماعة في التجمع الذي ضمنته لهم الشرعة العالمية لحقوق الإنسان والدستور وقانون الاجتماعات العامة الأردني، وبعض المواقف المعارضة للفعالية صدرت عن شخصيات محسوبة على تيارات سياسية تطالب الحكومة بضرورة احترام حقوق الإنسان في سياساتها.

 

كذلك الحال بالنسبة لـ"الإخوان المسلمين"، فمنذ أعوام قليلة، وفي أثناء استلامها للحكم في مصر، قاموا بمنع احتجاجات وتجمعات عدّة، خاصة لعمال وموظفين كانوا يطالبون خلالها بتحسين شروط عملهم ومنع استغلالهم، وحقهم في التنظيم النقابي.

 

أمثلة أخرى تدلل على توظيف جماعات المصالح الدائم لخطاب ومعايير حقوق الإنسان، ويتجلى ذلك في الموقف من قضايا المرأة، وحقها في التمتع بالمساواة مع الرجل وتوفير متطلبات تكافؤ الفرص، سواء كان ذلك في حقوقها الاقتصادية أو الاجتماعية أو المدنية، وبما يحقق العدالة الاجتماعية، لنجد الانتقائية الفاضحة ليس فقط بين ممثلي المنظومات الثقافية المختلفة، لكن بين بعض المدافعين عن حقوق الإنسان.

 

يظهر التوظيف، كذلك، حين نتناول حقوق المواطنين المتساوية، إذ يجري تقسيم المواطنين إلى درجات، يحق لبعضهم التمتع بحقوقه المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بينما يحرم آخرون من بعض الحقوق، لأسباب مرتبطة بمقدار تأثير تمتع المواطنين كافةً بحقوقهم بشكل متساو، على مصالح وامتيازات جماعات أخرى داخل المجتمع، ويتبنى هذا الطرح –للأسف- نشطاء في مجال حقوق الإنسان. وينسحب ذلك على قبول انتهاك حقوق عمال وافدين (مهاجرين) باعتبارهم ليسوا مواطنين.

 

مؤخراً، تنامت الهجمة التي تتعرض لها مؤسسات حقوقية تقدم خدمات التمكين القانوني، وحق الوصول للعدالة للعديد من الفئات الاجتماعية غير القادرة على توفير تكاليف عملية التقاضي، ليتم التخلي عن مبدأ أساسي من مبادئ حقوق الإنسان والمتمثل بالحق في الوصول للعدالة، لأن بعض جماعات المصالح تعتقد أن ذلك يمس بمصالحها الاقتصادية.

 

بالرغم من عمليات التوظيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي المذكورة، والانتقائية في التطبيق، فإننا كمواطنين بأمس الحاجة للتمسك بضرورة إنفاذ حقوق الانسان بشكل كامل، ولجميع البشر، لأن أي إخلال في تطبيقها، سيعرض كرامة الإنسان للإهانة، وكرامته هي الفكرة الجوهرية التي تقوم عليها منظومة حقوق الإنسان.

 

  • أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

 

أضف تعليقك