توجيهات الملك والولوج في الإصلاح السياسي

الرابط المختصر

كتاباتنا الناقدة للحكومات المتعاقبة لم تنقطع على مدار ثلاثة عشر عاما وقد نالنا ما نالنا من تشويه المقاصد والأوصاف الظالمة التي تجانب غاياتنا من الكتابة والنقد .نقدنا شمل رؤساء حكومات ووزراء ورؤساء جامعات، وديوان ملكي وأخير وليس آخرا جهاز المخابرات وشقيقاته الأجهزة الأمنية الأخرى. الجانب المشرق في كتاباتنا المطالبة بالإصلاح أنه لم يسألنا أحد يوما من الدوائر الأمنية أو حتى من الأجهزة التي انتقدناها، ولم نستدعى رسميا من أحد وهذا بحد ذاته إيجابية لا يدرك قيمتها إلا من ذاق وبال آراءه في دول لعل كثيرا من قرائنا يعرفها.



وددت في هذه المقدمة أن أقف اليوم مؤيدا لتوجيهات الملك بإعادة ترتيب الأوضاع هيكليا ووظيفيا في دائرة المخابرات العامة التي كثر اللغط حولها وحول تشعب مهامها وخروجها عن اختصاصاتها الأمنية، سواء كان هذا الخروج مبرر أو غير مبرر. نريد أن نقرأ في سبب اختيار جلالة الملك لدائرة المخابرات العامة بوابة للولوج في الإصلاح السياسي. وفي الوقت الذي وجه الملك قبل ذلك إلى ضرورة إعادة النظر في قانون الانتخابات ،وهو أيضا مدخلا هاما جدا في الإصلاح السياسي ،ويشكل واسطا أو رافعة أساسية للديمقراطية نظرا لتأثر شكل التمثيل الشعبي في البرلمان ومدى تمثيله وتجسيدة لكافة الألوان السياسية والشعبية الأردنية،فإنه يبدوا لي أن اختيار دائرة المخابرات العامة للبدء بالإصلاح له دلالات لعل من أبرزها ارتباط وتأثر كافة جوانب الإصلاح السياسي بالدور الذي تلعبه هذه الدائرة .



الأدوار والممارسات التي تقوم بها دائرة المخابرات العامة تؤثر بشكل كبير في جوانب مهمة في الإصلاح السياسي ومن أبرز هذه الجوانب الانتخابات البرلمانية والانتخابات البلدية وانتخابات النقابات.بالطبع يمكن لأي شخص أن ينفي ذلك وينكر تأثير الدائرة في الانتخابات والترشيحات والدعم المعنوية أو اللوجستي لبعض المرشحين، لكني هنا أتحدث عن ممارسات فعلية وتداخلات يدركها كثير من الأردنيين ولكنهم يحجمون عن تناولها في العلن توجسا من الارتدادات عليهم وعلى عوائلهم. من جانب آخر فإن اختيار الملك لدائرة المخابرات بوابة للإصلاح السياسي يعني أن هنالك إعادة نظر في دورها في مجال حقوق الإنسان ، والحريات العامة، ومتابعات بعض الأشخاص وإبعادهم عن المواقع العامة في ضوء مواقفهم السياسية، وتكريم آخرين ممن يبتهلون بكرة وعشيا في المدح الزائف والممالئة.وظائف دائرة المخابرات العامة وظائف أمنية معروفة وهي محط احترام كافة الأردنيين وليس مناط بهذه الدائرة متابعة الجرائم الاقتصادية والاستثمار فلا هي مؤهلة لذلك ولا هي الجهة ذات العلاقة بالموضوع.



لقد كنت من أكثر الكتاب تناولا لدائرة المخابرات العامة والأدوار المتعددة التي تقوم بها، وبعض هذه الأدوار كانت مقحمة لمهام هذا الجهاز وهي ليست أصيلاه أو منسجمة مع غايات أي جهاز مخابرات في العالم.لا أعلم ما علاقة المخابرات في تعيين أطباء الإخصاب أو المسالك البولية والصيادلة والأساتذة الجامعيين والكيميائيين وعمداء الكليات والأعيان والوزراء.أنا أعرف تماما كيف أن بعض رؤساء الجامعات الذين يحظون بإرادات ملكية يترددون بشكل متكرر جدا على الدائرة للحصول على موافقات في قضايا أكاديمية بحته وهذا بالطبع ينطبق على القيادات الإدارية في قطاعات أخرى. وفي الوقت الذي يثمن الأردنيون تضحيات جهاز المخابرات في السلط والكرك والزرقاء واربد وعين الباشا وفي كافة ثغور الأردن ،فإن انخراط هذا الجهاز في أدوار ليست من صميم بنيته ولا من ضمن غاياته ساهم في خلق مزاج عام سلبي نحوه وأثر ذلك على صورته الشعبية وأظهره كجهاز مخيف وعدوا للديمقراطية، وقد أسهم في خلق هذه الصورة ولوج بعض العناصر من داخل الجهاز في تحقيق مصالح ومكتسبات شخصية .



يدرك قرائي تماما أنني من المقلين في المدح لمن هم في السلطة ،وذلك تجنبا لشبهات الممالئة والنفاق التي يبديها العديد من الكتاب وللأسف بعضهم أكاديميين،لكن توجيهات الملك الأخيرة لمدير دائرة المخابرات ولرئيس الحكومة بخصوص إعادة النظر بقانون الانتخابات ينبغي أن نثمنها عاليا ونشجعها، فكما هو النقد مفيد للوطن فإن امتداح التوجهات الإيجابية يصب في ذات الغاية.



نأمل أن يتوسع جلالة الملك في الميان (المجال) المتعلق بالإصلاح وذلك بتناول محور مهم جدا للحياة السياسية وهو قانون الأحزاب الأردنية ،إذ أن القانون الحالي، شكلا ومضمونا، لا يخدم الإصلاح السياسي ،كما أن ممارسات وسطوة وزارة التنمية السياسية على الأحزاب تعد انتهاكا للديمقراطية ومعيقا للإصلاح الذي ننشده. الإصلاح السياسي منظومة متكاملة ،وسلسلة من المؤسسات المتناغمة التي تبدأ بالانتخابات، والأحزاب، وممارسات الأجهزة الأمنية، وقوانين المطبوعات والنشر الجهنمية المعطلة للحريات التي ضمنها الدستور.



مع الملك نحو الإصلاح السياسي ،ومعه ضد كل من يعيق هذا الإصلاح. الإصلاح السياسي مصلحة للنظام السياسي، ومصلحة للوطن، ومصلحة للمخابرات وكافة أجهزة الدولة.الأردن يمكن أن يشكل حالة فريدة بين الدول العربية إذا ما تم تنفيذ توجيهات الملك في الإصلاح، والأردن يمكن أن يشكل حالة فريدة إذا وقفت الحكومات مسافة متساوية من القوى السياسية والأحزاب والنقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة المعلمين،والأردن يمكن أن يشكل حالة فريدة في حالة زوال الأسباب القانونية التي تدفع عدد من الأردنيين لمغادرة الأردن وفتح منصات ناقدة للحكومات من خارج الوطن، الأردن يمكن أن يشكل حالة فريدة إذا تم ترجمة مضامين الأوراق النقاشية للملك وتوجيهاته الإصلاحية الأخيرة.نبارك التوجه الملكي للإصلاح ونأمل أن يتوسع هذا النهج مستقبلا.