تماسك الدولة باستقلالية مجتمعها المدني

تماسك الدولة باستقلالية مجتمعها المدني
الرابط المختصر

في ظل إشارات مباشرة وغير مباشرة تطلقها أوساط رسمية ترمي إلى تعديل قانون الجمعيات الذي ينظم عمل غالبية منظمات المجتمع المدني تجاه فرض مزيد من القيود، وبسبب ضيق صدر بعض المؤسسات والشخصيات الحكومية من بعض أنشطة المجتمع المدني، ونزوعها نحو عدم تعديل التشريعات القائمة والناظمة لعملها، وعلى وجه الخصوص قانون العمل، فمن الضروري إعادة تناول هذا الموضوع لأهميته.

بعيداً عن جدل المفاهيم، فإن الدولة المدنية المعاصرة هي دولة المؤسسات والقوانين على اختلاف مستوياتها، والمجتمع المدني مكون أساسي من مكوناتها، ولديه أدوارٌ كبيرة في تعزيز التضامن والتماسك الاجتماعي والوساطة بين المجتمع ومؤسسات الدولة من حكومة وبرلمانات وقضاء وأحزاب سياسية واعلام، وكلٍ من هذه المكونات شريكٌ للآخر، ولا يجوز استخدام الصلاحيات الممنوحة للسلطة التنفيذية أو التشريعية للتقييد على عمل مؤسسات الدولة الأخرى.

المجتمع المدني في الأردن ليس طارئاً، إذ تشكّل مع بدايات تأسيس الملامح الأولى للدولة في عشرينيات القرن الماضي عددٌ من منظماته مثل الجمعيات والنوادي والهيئات، التي كانت تعمل لخدمة مصالح أعضائها والفئات الاجتماعية التي تمثلها. واستمر في التطور متكيفاً مع فترات المد الجزر في سقوف الحريات العامة وأجواء الانفتاح السياسي منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، وكان من الطبيعي أن تتطور أشكال التنظيم المدني للمجتمع وفق حاجاته وأولوياته باعتباره جزءاً من الدولة.

المؤسف أن العديد من كبار المسؤولين الحكوميين، الذي يمثلون رأس الحربة في إجراء تعديلات تقيّد عمل المجتمع المدني، هم شخصيات عملت سنوات طويلة في إطار المجتمع المدني، وبرزوا بوصفهم شخصيات عامة من خلال عملهم فيه. هذا إلى جانب الموقف التقليدي من غالبية البيروقراطية الحكومية التي يزعجها اتساع مساحة تأثير المجتمع المدني ومؤسسات أخرى تقضم يوماً بعد يوم الكثير من صلاحياتهم المطلقة في إدارة الدولة، التي اعتادوا عليها لعقود طويلة مضت.

بغض النظر عن توصيف المرحلة التي وصلنا إليها في مسار عملية التحول الديمقراطي، فإنه من الصعب استيعاب مطالبات بوضع مزيد من القيود (تشريعاً وممارسة) على عمل المجتمع المدني بمختلف أنواعه وتلاوينه، سواء في عمليات التأسيس أو العمل والحصول على الموارد أو قدرته على التعبير عن ذاته وأنشطته بحرية واستقلالية، لأن ذلك يتعارض جوهرياً مع مفهوم الدولة المدنية والديمقراطية، ولا يستوي الأمر بالمطلق بين الحديث التحول الديمقراطي وبين التضييق على أحد أهم تعبيرات وعناصر الديمقراطية المتمثلة بمجتمع مدني مستقل.

ومن الجدير ذكره أن الدولة تزداد قوة ومناعة بوجود مجتمع مدني قوي (مستقل وفعال)، فالدولة القوية تسير فيها عمليات التغيير (التحول) الاجتماعي والسياسي بشكل سلس وسلمي وتدرجي، والمجتمع المدني أحد المنظمين لهذه السلاسة والسلمية والتدرجية.

ممارسات بعض مؤسسات السلطة التنفيذية الهادفة إلى استيعاب وتوظيف منظمات المجتمع المدني أو بعضها لتكون أذرعاً وأدوات لها تتنافى مع أهمية الدور المأمول لهذه المنظمات. وإذا أردنا المضي قدما نحو تعزيز التحولات الديمقراطية، على السلطة التنفيذية ومؤسساتها وشخوصها الاعتراف والإقرار أن المجتمع المدني ومنظماته مكون مستقل من مكونات الدولة، وأنشطته ربما تتفق وربما تختلف مع أهدافها، وخلا ذلك، نحن نضع عراقيل أمام عملية التحول السلمي والتدريجي.

الشبهات التي تدور حول بعض هذه المنظمات بسوء إدارةٍ أو فسادٍ يكون علاجها والفصل بها شأن القضاء وحده. وبمناسبة هذا الأمر، تحدّث التقرير السنوي الأخيرلهيئة مكافحة الفساد عام 2013 عن 61 قضية مفصولة تركزت غالبيتها في القطاعين العام والخاص مقابل قضية واحدة فقط مارسها قائمون على منظمة مجتمع مدني تمثلت في الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، وهو منظمة تخضع لسيطرة الحكومة، ويتم تمويله بالكامل منها، ما يعني أن هنالك مبالغة في الحديث عن فساد منظمات المجتمع المدني.

من هنا تتأتى أهمية تطوير تشريعات عادلة تضمن استقلالية المجتمع المدني وحريته، وترسم علاقته مع مكونات الدولة الأخرى، وعلى التشريعات تشجيع الممارسات القائمة على مبادئ الحكم الرشيد بما تتضمنه من الإفصاح والشفافية والمساءلة والمشاركة وسيادة القانون والمساواة والفعالية والكفاءة والتوافق وتوفر الرؤية الإستراتيجية لها.

 

 

  • أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

 

 

أضف تعليقك