تأهيل أمانة عمان

تأهيل أمانة عمان
الرابط المختصر

في جولة اضطراريّة في بعض أقسام أمانة عمان في أبو نصير وشفا بدران، صبيحة النّدوة التي عقدها قبل أيام أمين عمان (بمشاركة الدكتور زيد حمزة ونقابة المهن السياحيّة) حول قراره الأخير بمنع الأرجيلة، فوجئتُ وفُجعتُ بعدد المدخنين من موظفي "الأمانة" نفسها في مكاتبهم التي يتحلّقون فيها حول فناجين القهوة، بينما المعاملات على المكاتب تنتظر من يوقعها! فكلّ خبرة أحقِّقُها في دوائر الحكومة وعلى رأسها أمانة عمان، تعني أمرين لهما ثالثٌ ورابع وخامس.

الأوّل: صعوبة ارتقاء البناء الذي صُمّم لأصحّاء البدن دون سواهم من المواطنين والمواطنات. فإذا كان البناء قد قُصد منه أن يبهر الداخلَيْن إلى المؤسّسة، كبناء أمانة عمان شفا بدران، فستجد من السلالم والأدراج ما يُشعرُكما أنكما داخلان على قصر، لا دائرة تسمح للعجزة وأهل الاحتياجات الخاصّة، بإنجاز معاملاتهم. وهذه الأبنية غالباً ما تخلو من المصاعد، وإذا وُجدت، فهي إما معطّلة، أو تبدأ عملها من الطابق الثاني!

والثاني: البيروقراطيّة القاتلة في متابعة المعاملة، مما يُتيحُ للموظف والموظّفة (اللذين نام لديهما الضّمير المهنيّ مع الكفاءة) التّراخي في الإنجاز، والإهمال في دفع المعاملة في مسارها المعقّد الطويل؛ فالأعذار دوماً جاهزة: الموظّف المعنيّ متغيّب، أو في اجتماع مهم لا تُمكن مقاطعته! وهما عذران يصرفهما أغلب موظّفي "الأمانة" كلّما سأل مواطنٌ أو مواطنةٌ عن معاملة متأخّرة. ناهيك عن المفاجآت التي يُلقيها الواحد منهما في وجهك كلما ظننت أنّ المعاملة أوشكت على الانتهاء، من مثل أنّ وثيقة كذا ناقصة، مما يعني جولة أخرى من العناء والشّقاء في دوائر الحكومة، من أجل إخراج الوثيقة المطلوبة!

والثالث: طريقة التعامل مع الجمهور، وهذه تختلف من موظّف إلى آخر، فإذا كنتِ متأنِّقةً تضعين نظارة غالية الثّمن، وتحملين حقيبة "برادا" أصليّة، وألقيت ببضع كلمات بالإنجليزيّة، فسيجد الموظّف نفسه أمام قلقٍ طبقيّ يُرغمه على التّعامل بلطف يُخفي مؤقّتاً الخشونة الطبيعيّة التي نشتهرُ بها في هذا الجزء من العالم، والتي لم يكلّف نفسه مسؤول إثر مسؤول مهمةَ "تجليخها" وتنعيمَ نتوءاتها بالتأهيل المناسب. أما إذا طرقَ عليكِ الباب موظَّفُ الأمانة لتفقد البناء أو غيره من مهمات، وكنتِ قد استيقظتِ للتوّ من النوم، دون أناقة "فيرزاتشي" أو "ديور"، أو دون هيبة النظّارة والكتاب، وكان بيتك بالصّدفة في أبو نصير، فسيطلقُ عليك فوراً لقب "الحجّة" وسيعاملك معاملته الطبيعيّة للنّساء البسيطات اللواتي لم تمنحهنّ أقدارهنَ مالاً ولا جاهاً، و سيأمرُ وينهى ويوقف النقاش بإشارة قاطعة أنّ هذا آخر ما لديه ولدى "الأمانة"!

وإذا كان جميع ما ضربتُ من أمثلة أعلاه ليس سوى خبرات شخصيّة، فإنّ تعميمها ليس فيه افتراءٌ على أحد؛ ذلك أنّ أبنية "الأمانة"، في معظمها، والمعاملات فيها، وموظّفيها وموظفاتها، في حاجة إلى إعادة تأهيل، تجعلُ من المتاح للمواطنات والمواطنين السَّلِسَ من التَّعاملِ، دون اضطرار للضّغط بوساطة أو إظهار ورقة الجاه والسّطوة، أو التأزّم بسبب اختناقات أخلاقيّة، لها صلة وثيقة بطبيعة المرحلة المخزية التي نمرّ بها.

وإلا فكيفَ نفسّر أن تدخلي إلى أحد أبنية "الأمانة"، وأنت تعانين من حساسية وربو، لتجدي معظم الموظّفين متحلّقين (والتحلّق موضوع آخر)، وضبابُ التّدخين يُعمي الأبصار؟ فإذا ذكَّرت بالقانون قيل لك إنّ المنعَ يطال المراجعين فقط!

يحدثُ ذلك في صبيحة اليوم التالي على الظهور التلفازي لأمين عمان وهو يدافع عن قراره في تفعيل قانون منع التدخين في الأماكن المغلقة!

هل من سبيل إلى أن لا نفقد الأمل؟.

أضف تعليقك