بين الحكمة والتروي

بين الحكمة والتروي
الرابط المختصر

يستشف من مجمل القراءات والتعليقات حول الاعتصام المنوي تنفيذه هذا اليوم، بأننا أمام (تحول) يختلف عما ألفناه منذ أشهر، اذ قرأنا مضمون الفتوى التي أصدرها الدكتور محمد أبو فارس رئيس لجنة العلماء المركزية وعضو مجلس الشورى في جبهة العمل الاسلامي والتي تقول «ان قتلى الاعتصامات شهداء وقاتليهم في جهنم»، أما موقف الحكومة، فانه يتلخص بما عرفناه على لسان الناطق الرسمي باسمها، الأستاذ محمد أبو رمان، حيث يؤكد «بأن الحكومة لن تسمح بتعطيل مصالح الناس وافساد الأجواء العامة».

في عرف القانون الدولي، فان تنفيذ الاعتصام يتطلب السير بسلسلة من الخطوات، أهمها اعلام الجهات المعنية بمكان وانعقاد الاعتصام، ولغايات التيقن من عدم دخول «أي شخص قد يشوش على الفكرة المنشودة من تنظيم الاعتصام» يتم الابتعاد عن الأماكن التي قد تعطل مسيرة الحياة الاعتيادية، لأن الوصول لهذه المرحلة، يعطي للسلطات المخولة بحفظ النظام حقها المشروع في وضع الأمور في نصابها، وان لم تتحقق هذه المعادلة، فان النتيجة المتوقعة هي، الفوضى واحتمالية تفشي الفتن.

وثقت المسيرات والاعتصامات التي نفذت خلال الأشهر الماضية الوجه المشرق للحرية المسؤولة، وبخلاف واقعتي المسجد الحسيني ودوار وزارة الداخلية، فان الرسائل التي وجهتها الفعاليات والأحزاب المشاركة، شكلت في جوهرها دعما لمسيرة الاصلاح، وتحفيزا ايجابيا لكل من يمتلك العزيمة والارادة للنهوض والتجدد، نذكر هنا، بأن مستوى التنسيق بين المشاركين في هذه النشاطات لم يكن بالمستوى الذي يحول دون تسجيل أية اختراقات قد تحسب عليهم بدلا ّ من أن تكون ضمن رصيدهم أمام الجمهور، ومن باب التوضيح، فاننا نتوقع الحذر من دور العناصر الذين يتواصلون مع بعض السفارات الأجنبية، وفي مقدمة أجندتهم أنهم يعزفون على كل ما يمس مفهوم التماسك الاجتماعي في هذا الوطن الجميل.

عرفنا أن فضيلة التروي من شيم الحكماء الذين يضعون المصالح العليا للجميع فوق كل الاعتبارات، وفي تقييمنا وتتبعنا لطبيعة العلاقة بين دوائر صنع القرار من جهة، والجهات التي اختارت طريق «المعارضة» من جهة أخرى، نجد أننا أمام نتائج نعتز بها، لأنها تمرر رسائلها من قبل الطرفين بأسلوب حضاري، وتعبر عن «السمو» بكل تجلياته وأبعاده، حيث تتلاشى نزعة التجاهل أو الاستقواء التي ندرك أنها قد تؤسس للتطاحن وربما لمزيد من الاختلافات، ومن أسوأ مظاهرها التي نتابع تطوراتها من حولنا بأن «المنفذ» يستنتج بعد فوات الآوان، بأنه «لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى».

ما نأمله هو أن تكون «التهيئة» لاقامة الاعتصام، وما رافقها من سخونة وتغطيات، أبلغ وأعظم من النتائج المرجوة، فقد مهدت مختلف الفعاليات والنشاطات التي شهدناها منذ مطلع ربيع هذا العام الى خلق حالة غير مسبوقة من المصارحة والمكاشفة، وبأسلوب يلتقي مع أرقى الطموحات، وهي نتائج ايجابية يمكن البناء عليها من منظورين، أولهما، أن احتمالات التطاول على المال العام لم تعد واردة، أما المنظور الثاني، فهو يرتكز على أن أمانة المسؤولية باتت تستدعي التفاني في الأداء والايثار الذي يجسد التنافس نحو الأفضل.

الدستور

أضف تعليقك