بماذا يفكّر عبيدات؟!
تشير أوساط مقرّبة من الجبهة الوطنية للإصلاح، التي تمثّل المظلة الأوسع اليوم لقوى المعارضة التقليدية، بأنّ رئيس الجبهة أحمد عبيدات، أعطى قياداتها، التي تمثّل هذه القوى مع شخصيات وطنية أخرى، فرصة طويلة خلال شهر رمضان المنصرم، للتفكير في مستقبل الجبهة ومصيرها في ظل "الخلافات الجذرية"، التي تعصف بها إزاء ما يحدث في المنطقة.
بدأت نار الخلافات تستعر في أوساط الجبهة، التي تأسست قبل عامين لتكون مظلة لقوى المعارضة الأردنية، تجاه الموضوع السوري، بعد أشهر قليلة من الإعلان عنها.
ثمّ زاد قلق القوميين واليساريين في الجبهة من النجاحات الانتخابية الكبيرة للإسلاميين، في مصر وتونس والمغرب في العامين الماضيين. الانعكاس المباشر لهذه الأحداث على وحدة الجبهة تمثّل في الانتخابات النيابية الماضية عندما قرّرت أحزاب المعارضة القومية واليسارية المشاركة في الانتخابات بالرغم من إعلان الجبهة رسمياً مقاطعتها، ما دقّ مسماراً جديداً في نعش الجبهة، وأوحى بأنّ المسافات الفاصلة بين أعضائها تتوسّع وأنّ الوحدة الداخلية هشّة!
ثم جاء الانقلاب العسكري المصري في بداية شهر تموز المنصرم، وما تلاه من أحداث، ليعمّق خلافات الجبهة، بعد أن أيده القوميون واليساريون (في المواقف والخطابات)، ما صدم الإسلاميين وجرحهم، كما يؤكّد أحد القيادات الإسلامية.
وبالرغم من محاولات الرئيس البحث عن مساحات التوافق والتفاهم، والتركيز على القيم العامة لتحديد موقف الجبهة من الأحداث الدامية في سورية والمنطقة، والإمساك بالعصا من المنتصف، من خلال التأكيد على حق الشعب السوري في الديمقراطية والحريات ورفض التدخل الأجنبي العسكري، كما هي حال بيان الجبهة الأخير تجاه الضربة العسكرية الأميركية لسورية، إلاّ أنّ الخلافات وصلت إلى حدٍّ الكسر الذي يستعصي على الجبر والإصلاح!
ليس ثمّة ما يدفع – اليوم- إلى الشعور بأنّ القوى القومية واليسارية يمكن أن تلتحم مرّة أخرى مع الإسلاميين، على الأقل على المدى المنظور. فالتشكيك والاتهامات والخصومات بلغت أوجها، والهواجس المتبادلة طغت على علاقات هذه القوى ببعضها.
ما هو أهم من هذا وذاك أنّ هذه القوى لم تأخذ الجبهة بصورة جديّة لتكون مظلة حقيقية للحوار الداخلي وتعميق التفكير في المواقف الداخلية والإقليمية، والخروج بوصفات توافقية، بل اعتمدت الجبهة منذ البداية على ما يمتلكه زعيمها أحمد عبيدات، من رصيد شعبي وسمعة كبيرة ورمزية وطنية، فيما تحوّلت مهمته في الأشهر الماضية إلى محاولات رأب الصدع بين ممثلي هذه القوى، الذين يجلسون معه على طاولة القرار في الجبهة، من دون فائدة حقيقية تذكر.ما تشهده الجبهة لا يخرج عن سياق الانهيارات التي تحيط في أشكال التوافق والتفاهم في العالم العربي اليوم، وانعكاس طبيعي لحالة الاستقطاب الشديد، التي لا تتوقف عند القوى السياسية، بل تطاول الشارع، بين التيار الإسلامي من جهة، والقوى القومية واليسارية، وبعض الليبراليين من جهة أخرى، وهو انقسام من الواضح أنّه يتجذّر ولن يتوقف!
بالضرورة هذا الشلل العملي للجبهة من الطبيعي أن يطرح السؤال الحاسم على زعيمها؛ هل سيبقي على الهيكلية الحالية والطاولة بدعوى أنّ بقاءها أفضل ويمثّل بارقة أمل لاجتراح التوافق والتفاهم والوقوف على الأرض المشتركة أم أنّ إكرام الميّت دفنه، وحتى لا يدفع أحمد عبيدات نفسه ثمن هذه الخلافات المستعصية، وهو يمثّل وحده رقماً صعباً في المعادلة الداخلية!
أم أنّ هنالك خياراً آخر يتمثّل في إعادة هيكلة الجبهة وإطلاقها من جديد؟ فهل ذلك ممكن في ظل الانحسار والتراجع الكبير في الحراك الداخلي الذي يعاني أيضاً من انعكاسات الأحداث المحيطة بالمنطقة عليه؟!
تلك الأسئلة ربما أفضل من يجيب عنها زعيم الجبهة نفسه.
الغد