برلمان السلطة وسلطة البرلمان
من "البرلمان الحكومي" إلى "الحكومة البرلمانية"، هذا هو الانتقال المنشود، وفق التعبير الذي تردد في ورشة البحر الميت الأخيرة قبل يومين.
وكانت ندوة مهمة وفي وقتها، حضرها عدد من رؤساء الوزارات السابقين، وفعاليات بارزة من مختلف التلاوين، لتمحيص تأثير فكرة الحكومة البرلمانية الجديدة على الحياة السياسية الأردنية، وتعتبر عنوان الإصلاح السياسي المنشود.
أستبدل هنا تعبير "الحكومة" بـ"السلطة"، لأنه أكثر دقة في الدلالة؛ فلطالما عانت الحكومات نفسها من التغول على ولايتها العامة من قبل جهات أخرى في الدولة.
والمجالس النيابية لم تكن تخضع لنفوذ الحكومات إلا جزئيا؛ اذ بالتوازي كان نفوذ الجهات الأخرى هو الأقوى والأفعل، وهو قد يكون موجها لخدمة الحكومة القائمة وقد يكون حياديا، بل وفي بعض المرات موجها ضدها!
ويعرف رؤساء الوزارات السابقون ذلك جيدا!في المستقبل، لن تحتاج الحكومة العاجزة عن ضبط المجلس، والتي تعاني من تمرد النواب ومزاجيتهم ومطالبهم المنهكة، لن تحتاج إلى نجدة الجهات الأمنية في هذا الشأن أو ذاك؛ فالحكومة نفسها هي حكومة الأغلبية النيابية.
وهذه الأغلبية التي أنشأت الحكومة هي المعنية بالمقام الأول بالدفاع عنها وحمايتها وإسنادها.ولطالما وصفنا في السابق الحكومات بأنها يتيمة في معاركها داخل وخارج مجلس النواب؛ فتصويت الثقة الذي تحصل عليه يتبخر في اليوم التالي، ويتعامل معها النواب بالقطعة للحصول على مكاسب، فلا تجد من يدافع عن أي مواقف أو قرارات غير شعبية تتخذها، وعليها تقليع شوكها بيدها.
فالثقة كانت في الحقيقة تمريرا لحكومة جلالة الملك، وليس التزاما برؤية وبرنامج وأشخاص تم إسقاطهم على النواب بدون مشاورتهم وأخذ رأيهم.
أخيرا، وفق برنامج الإصلاح السياسي الذي أكد جلالة الملك عليه بصورة قاطعة، ستنشأ الحكومات من صناديق الاقتراع التي ترسل ممثلي الشعب إلى قبة البرلمان.
وسيكون النواب مسؤولون أمام الشعب الذي انتخبهم عن الأشخاص الذين اختاروهم للحكومة وعن برامجهم. ولن يدور في الصالونات الهمس الكثير عن الرئيس الذي سيأتي، وعن الوزراء، وأي صلات رحم أو نسب أو مصالح أتت بهم إلى مواقعهم.
سيكون واضحا سلفا كيف ولماذا تم اختيار هذا الرئيس وهؤلاء الوزراء، أكان من داخل مجلس النواب أم من خارجه، والميل الغالب الآن هو عدم توزير النواب.
لكن في ورشة العمل برزت آراء تريد، بقصد أو بغير قصد، تقزيم الفكرة وتمييعها؛ مثل افتراض التدرج فيها، بأن يتم الاكتفاء في مرحلة أولى بمشاورة النواب حول اسم الرئيس والوزراء، وتقديم باقة غير ملزمة من الأسماء المقترحة.
وليس معقولا كل هذا التذبذب والتردد والميل الدائم إلى تقزيم وتحجيم وتمييع التغيير. الآلية واضحة وبسيطة، ويجب الأخذ بها بدون أي تلاعب؛ فالكتل أو الائتلافات النيابية تنسّب الاسم أو الأسماء، والملك يكلف الاسم الذي يمثل التنسيب الأكثر عددا، والرئيس المكلف يبدأ المشاورات مع النواب والكتل.
فإذا لم ينجح خلال فترة معينة، يكلف الملك الشخص التالي في حجم المؤيدين.. وهكذا. وهي آلية بديهية ومعروفة ومستقرة في الديمقراطيات. هل سينجح الأمر؟! لنجرب، فلن نخسر شيئا.
الغد