برامج ومنح تضر ولا تنفع
يجمع "مستفيدون" من برامج ودورات تدريبية في فنادق خمس نجوم (لا بأس بذلك على أية حال) ويحضر مدربون ومنسقون عددهم لا يقل عن المستفيدين، يتقاضون مكافآت ومياومات وضيافات وتذاكر سفر خيالية، وبالطبع فإنها نفقات مقتطعة من "المساعدات والمنح والموازنات"، ينفذون برامج تدريبية بمستوى الألعاب التي يؤديها تلاميذ رياض الأطفال، وغالبا ما تكون مقتبسة منها حرفيا، ذلك حتى يستطيع المدربون (وليس المستفيدين) استيعابها وتقديمها، ويقدم البي تي فور للمتدربين في الاستراحة، في حين يتجمع الشباب والصبايا "الكول" متواطئين على نسيان "أيام الجرب"، محاولين أن يظهروا بأنهم لا يعرفون العربية، يهجئون بإجهاد شديد للضيف الأجنبي عبارات جلد الذات، والسخرية من المجتمع والناس، وأخيرا يتعرف مشاهدو وسائل الإعلام وقراء الصحف على أخبار البرامج والأنشطة باعتبارها تنمية وتمكينا للمجتمعات ومشاركة، وقصص نجاح، أسهمت في رفع الوعي والتنمية، وأدت بشكل ملحوظ إلى تقدم التعليم والصحة.
أظن، والعلم عند الله، أن هذه يسمونها في بلادنا "ليبرالية"، وهكذا يتحول الليبراليون إلى فدائيين يضحون بحياتهم وهم يواجهون التخلف ويناضلون لأجل الديمقراطية والتعددية والمشاركة، وبما أن الإسلاميين والمحافظين "وقوى الشد العكسي" يتحالفون ضدهم، فقد فشلت الألعاب وجميع مشروعات التقدم التي بذلوا لأجلها الغالي والنفيس، وهم محتاجون لمنح جديدة بل وزيادة المساعدات والتسهيلات. وبالطبع يجب أن تفشل البرامج حتى لا يتحول المناضلون اللبارلة إلى عاطلين عن العمل وبائعين على الإشارات الضوئية. ولضمان الفشل يجب أن تكون البرامج منذ بدايتها ومنشئها فاشلة، ولا تغير في حياة الناس شيئا، فالفدائيون والشهداء اللبارلة لا يفهمون شيئا سوى ذم المجتمع والناس، هل يستطيع أحد، أي أحد، أن يربط بشيء يذكر أو حتى وفق مبدأ الرابط العجيب، بين البرامج الكثيرة والكثيرة جدا مما يطبق في الريف والبادية والفنادق والمدارس والجامعات وبين الحركة الموسيقية والفنية في البلاد، أو الثقافة والنشر، أو ارتقاء مستوى السلوك والذائقة الجمالية، أو حتى نشاط حقيقي تطوعي لخدمة المجتمع والناس في شيء يحتاجون إليه بالفعل، أو يزيد بالفعل القدرات الفنية والثقافية والموسيقية لدى طلاب المدارس والجامعات، أو يعلمهم شيئا من الفلسفة والفنون والجمال ومهارات الحياة. هل يتحداني أحد ما ويبين لي كيف ارتقت هذه البرامج بزراعة القمح والمياه والصناعات الغذائية ومكافحة التلوث، وترميم الآثار وصيانتها والمحافظة عليها، فمنذ وعيت على الدنيا وأنا أرى ورشا قائمة يقال إنها لترميم الآثار، ومنذ وعيت على الدنيا وأنا أرى الآثار خربا متداعية تزداد إهمالا وتدميرا وعرضة للسرقة والاعتداء والتجاهل. هل سمعتم يوما عن دروس لتعليم الفن والموسيقى والأدب والفلسفة في المدارس والقرى والمدن؟ من هم في الحقيقة أعداء التطور والموسيقى والفنون والفلسفة.