بانتظار "ما بعد الطلاب الملثمين

بانتظار "ما بعد الطلاب الملثمين
الرابط المختصر

لم نستمع إلى تصريحات سياسية، ولم نرَ تحركات من قبل المسؤولين بشأن ما حدث في جامعة البلقاء التطبيقية، أول من أمس؛ وكأنّ استخدام السلاح في الجامعات، والمشاجرات الجماعية، وإصابة الطلاب والطالبات، أصبح حدثاً اعتيادياً، وأمراً طبيعياً متوقّعاً في جامعاتنا!

ليس مهمّاً أن نرى مئات الشباب الملثمين، وأغلبهم من الطلاب، في جوار أسوار الجامعة، يحملون الأسلحة البيضاء والخفيفة؛ ولا أن يحدث إطلاق النار داخل أسوار الجامعة، طالما أنّ الدولة صمتت قبل ذلك، وتجاهلت قيام مسلّحين في المحافظة نفسها، وغيرها من المحافظات، باقتحام قاعات الثانوية العامة وانتهاك حرمتها، وإخراج المراقبين من القاعات، ولتُكسّر قيمة امتحان الثانوية العامة التي بقيت مصانة عقوداً طويلة، بما يعني انهياراً للمركز الأخلاقي للدولة في عيون المواطنين!

ثمّ يحدثونك عن هيبة الدولة، وتُحوّل إلى القضاء العسكري مجموعة من الشباب الذين يطالبون بالإصلاح، أو الذين كانوا ينشرون شعار "رابعة"، بتهمة تقويض النظام، بينما تقف الدولة عاجزة مكبّلة أمام تلك الظواهر المرعبة التي تفتك بهيبة الدولة وأخلاقها، وتضرب بقيم سيادة القانون عرض الحائط. فانتشار مثل هذه الظواهر والتراخي معها، وعدم الجديّة والشجاعة في مواجهتها، ذلك هو الذي يقوّض النظام، قانونياً وأخلاقياً وسياسياً وثقافياً!

هل ثمّة لغز في موضوع عنف الجامعات؟! هل جاء من فراغ؟! أم أنّه نتيجة منطقية وطبيعية لسياسات "التلاعب" بالتعليم العالي، والاستهتار باستقلاليته وقيمته وأهميته، وتراجع قيمة الإدارات الجامعية ومعايير المسؤولين عنها، حتى وصلنا إلى لحظة يتم فيها اختيار رؤساء الجامعات على قاعدة الوجاهات والوساطات، وبعضهم لا يخرج من مكتبه خلال اليوم، ولا يعرف ما يدور في جامعته؟!

كم من مؤتمرات وخلوات واجتماعات عُقدت لمناقشة العنف الجامعي؟! بل كم وثيقة علمية مدروسة قُدّمت في تحليل أسباب الظاهرة، وتحديد استراتيجيات العلاج؟! لكن ما النتيجة إلى اليوم؟ الجواب: نحن ندور في الحلقة المفرغة نفسها، كما الحال بشأن أزماتنا الأخرى، لأنّنا لا نريد أن نطبّق العلاجات الحقيقية، ولا أن نتعامل بجديّة مع هذه الظواهر التي لا نقدّر حجم خطورتها ونتائجها الكارثية!

بل هنالك، دائماً، "من يضع العصي في الدواليب"، كما يحدث مع كل محاولة إصلاح في أيّ مجال، بالقول: "إنّ هنالك حقوقاً مكتسبة، وفئات مستفيدة من هذه الأوضاع، ولا نستطيع اليوم تغيير المسار". وكأنّ هذا "الجواب"، الذي بتنا نسمعه عند الحديث عن قانون الانتخاب، وعن تدهور القطاع العام، وعن أي ملف من الملفات الأخرى، هو بمثابة "الوصفة السحرية" لإجهاض أي محاولة للإصلاح والتغيير في هذه المجالات!

إذا كنّا لا نستطيع التغيير، فعلينا من الآن أن نقرأ على جامعاتنا السلام، وننتظر مرحلة "ما بعد الملثّمين"؛ ربما "الدكاترة المسلّحين"! ويقودنا ذلك إلى توجيه السؤال إلى رئيس الوزراء ووزير التعليم العالي، وكبار المسؤولين في مؤسسات الدولة الأخرى: هل تجاوزنا "نقطة اللاعودة"، أم أنّنا ما نزال نستطيع القيام باستدارة، بل بثورة بيضاء حقيقية، للتخلص من الأمراض الفتّاكة التي أصابت جامعاتنا؟!

لن نتحدث عن أسباب الظاهرة، ولا عن مستويات العلاج، فهو كلام مكرور ومجتر، وهنالك وثائق مدروسة واضحة بشأنه. فقط ما نريده هو قرارات سياسية جريئة، وإرادة حاسمة، وشخصيات أكاديمية مؤهلة مستقلة، لوضع خطة العلاج الذي يحتاج إلى مراحل وسنوات، للتخلص من التراكمات الحالية، والخروج من هذا النفق المظلم!

الغد