بؤس السياسة .. الخلاف مع ديمة طهبوب مثالاً
لا تنحصر مشكلة تيارات الإسلام السياسي، في بلادنا، بأنها لم تطوّر أدواتها السياسية بحيث تواكب العصر وبحيث تجعل من المنتمي إليها ناشطاً إيجابياً يقبل الآخرين شركاء له في الحياة، بل إنه صار يرى فيهم أعداء يهددون وجوده، وهذا ما حدا به لأن يلجأ للتخلص منهم نهائياً بإفنائهم فيزيائياً أينما ثقفهم، أو معنوياً بتكفيرهم أينما اختلفوا معه، ومن باب التحصّن (أو التحوصل) يُلحِق أفكاره السياسية وممارساته بالمقدس، الممنوع والمتعالي على النقد، المحاط بهالة من الخطوط الحمر، وهي خطوط يمكن أن تتسع أو تضيق حسب الحاجة. بهذا؛ أصبح ينكر على الآخرين حقهم في الوجود، والسبب الرئيسي وراء ذلك رعبه من الاختلاف، فهو لا يرى في الآخرين إلّا أتباعاً أو أعداء يستحقون الفناء.
بالمناسبة، الآخر بالنسبة إلى النائب ديمة طهبوب هو المسيحي حصرياً، في محاولة متغطرسة غايتها تجاهل التيار العريض في المجتمع الذي يختلف تماماً مع أفكار وطروحات الإخوان. لذلك؛ توسعت في شرح قصة البَيْض الملوّن، هذه القصة الممجوجة التي تحاول أن تختزل العلاقة مع أتباع الديانة المسيحية بالذكريات عن الجار المسيحي الطيب، وهذه النظرة ليست من اختراع طهبوب، بل هي قديمة تتقن الجماعة الإسلامية استخدامها في إطار التّقيّة التي تمارسها في مرحلة قبل "أن تقدر عليهم".
هذا يقودنا فوراً إلى علاقة الإخوان المسلمين بالثورة الايرانية وآثارها في أفكارهم، فهي، أي الثورة الإيرانية، أول حدث جعل الجماعة تقف قبالة المرآة مطولاً لتعيد حساباتها.
وقع هذا في البداية، قبل أن تمارس الجماعة رِدّتها وتدخل في طور العداء المعلن للشيعة، لكن إيران وهي سيدة التّقيّة – رغم أن عقيدة التقية صناعة عربية تعود إلى القرن الثالث الهجري- أبقت على وشائج العلاقة مع الإخوان، وحتى مع القاعدة، ولعل أكثر ما يظهر ذلك جلياً في العلاقة بقيادات القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي، ومع حماس والموقف من انقلاب العسكر في مصر المتعاطف مع الإخوان.
في التّقيّة؛ حدث شيء مشابه في العلاقة مع القاعدة، فأغلبية أعضاء الإخوان يضمرون لها التأييد أو التعاطف، من دون إظهار ذلك في أدبياتهم ومنشوراتهم، فما القاعدة إلّا وليد تعجل القفز من رحم الجماعة راغباً بحرق المسافة والزمن للوصل إلى المبتغى في أسرع وقت وبأقصر الطرق.
أما عن الرِدّة؛ فهي سمة أساسية في سلوك جماعة الإخوان، مارسوه في مصر مع الخديوية، ومع عبد الناصر وما سمي بثورة 23 يوليو، ومع ثورة 30 يونيو، وكذلك فعلوا الشيء نفسه في ليبيا مع السنوسي، ومع القذافي في بداية عهده، ومع سيف الاسلام عشية الثورة الليبية.. القائمة تطول وربما احتاجت إلى دراسة تاريخية متخصصة ليس هنا مكانها ولا زمانها.
جماعة الإخوان، أو الجماعة الإسلامية كما تحب أن تسمي نفسها، هي جماعة عالقة في مرحلة الدعوة، ولم تستطع أن تغادرها إلى مرحلة السيطرة على الدولة، كما كان مخططها، ففي البداية وُضِعَ البرنامج السلمي الدعوي الذي يعتمد على بناء قاعدة عريضة من التأييد الشعبي، كمرحلة أولى تُفضي بالضرورة إلى استلام السلطة في الدول العربية، وربما الإسلامية، ومن ثم توحيدها بدولة الخلافة الواحدة.
في الطريق إلى ذلك، لم تراع الجماعة الظروف الموضوعية، فوجدت نفسها أداة، إبّان مرحلة الحرب الباردة، بيد أمريكا والحلف الغربي والأنظمة العربية في مواجهة المد الاشتراكي، وعندما انتهت الحرب، دخلت الجماعة في حالة من البطالة المقنعة أفسحت المجال لظهور القاعدة، هذا التنظيم الصغير الذي ألقت ممارساته بظلال واسعة على الجماعة، جعلتها في مرمى شكوك تطعن بسلميتها، ما تسبب بتشكل ضغوط دولية ومحلية وحتى داخلية، أقصد داخل الجماعة، أدت إلى انفجارها إلى عدة جماعات وفرق.
طبعا ساهم بذلك أيضاُ وصول الجماعة الأم المصرية إلى سدة الحكم وفشلها في إدارة الملف، ما أدى إلى إطاحتها وزج كوادرها الرئيسية في السجون.
الهزات الارتدادية لهذا الحدث الجلل كانت كبيرة، إذ أدت إلى انقسام الجماعة إلى أربعة أو خمسة تيارات، والحبل على الجرار كما يقولون، المهم أن الصراع بين هذه التشكيلات صار في العلن وعلى رؤوس الأشهاد، وربما أدى هذا إلى المزيد من الفرقة والتشرذم.
للتوضيح فقط؛ برغم خلافي مع الجماعة، كنت أرى فيها ضمانة للوحدة الوطنية، كتشكيل مبني على أساس فكري لا ينزلق إلى المهاترات الإقليمية، لكن، وللأسف، صرنا نسمع اليوم من الإسلاميين أن من خلفيات وأسباب الخلاف بينهم الاقليمية، وقد تكتلوا فعلاً، وتآمروا على بعضهم بعضاً على هذا الأساس البغيض.
المهم، ليست المشكلة اليوم مع التيارات الوسطية الناتجة عن انفجار الجماعة، بل المشكلة مع التيارين المتطرفيّن اللذين يذهبان باتجاهين متعاكسين؛ التيار الذاهب باتجاه أفكار القاعدة، والتيار الملتحق بالسلطة، وهما على الدرجة نفسها من الخطورة والاتفاق، فالثاني يسعى لصناعة الحاضنة الاجتماعية للأول، من خلال ابتزاز المؤسسة الرسمية والتأثير في القوانين والأنظمة.
لقد رأينا كيف صارت العلاقة بين وزارة الداخلية وسعادة النائب ديمة طهبوب، علاقة ودودة تبدأ بالتنبيه على التعديات وتنتهي بشكرها للوزير على تنفيذه طلباتها، فيا لها من نائبة، ويا له من وزير يتقطع خشوعاً وهو ينفذ الفتاوى الميدانية لفضيلة الشيخة طهبوب!
محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.