انسحاب الأحزاب الخمسة?
يخطىء من يعتقد أن الديمقراطية قضية سهلة وانتقال أوتوماتيكي من حالة إلى أخرى
كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية زادت عصبية الطرف "المقاطع" لأن ليس سهلا على الممثل والبطل المعتاد على الأضواء والظهور الساطع أن يجلس في العتمة حيثما تكون الكواليس المخصصة "للكومبارس"، فالانتخابات النيابية المقبلة هي الأهم في التاريخ السياسي الأردني لأنها عتبة تحوُّل حقيقي نحو الحكومات التي تخرجها الأغلبية البرلمانية وما يتلوها من تعديلات واسعة ستطال التشريعات المختلف عليها وفي مقدمتها قانون الانتخاب.
من المنطق أن تغادر الأحزاب اليسارية والقومية الخمسة " الشيوعي، حشد، البعث الاشتراكي، البعث التقدمي، الحركة القومية" صفوف الجبهة الوطنية للاصلاح التي يرأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات بعد إشهار قناعة الأحزاب الخمسة بالمشاركة في الانتخابات النيابية، لكن ليس من الحكمة أن تفقد الجبهة ألوانها السياسية وتقتصر على لون واحد.
الانسحاب يأتي لعدم وجود انسجام أو قواسم مشتركة في الطرح السياسي بين الأحزاب الخمسة و جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوحدة الشعبية من الانتخابات النيابية المقبلة، خاصة أن رئيس الجبهة والمستقلين و"الإخوان" وحزب الوحدة يصرون على مقاطعة الانتخابات وهم يشكلون أغلبية في المكتب التنفيذي للجبهة.
ولو لم تُعلِّق الاحزاب المنسحبة عضويتها في الجبهة لاصدر المكتب التنفيذي للجبهة قرارا بفصل تلك الاحزاب وهو ما فهم من تصريح رئيس اللجنة الإعلامية في الجبهة د. لبيب قمحاوي الذي أصدر بيانا بعد قرار الأحزاب بتعليق عضويتها قال فيه :" إن مشاركة أي من مكوناتها في الانتخابات النيابية المقبلة يُعدُّ خروجا على قرارات الجبهة".
والصحيح إن العمل السياسي الجبهوي هو عمل يتم التوافق عليه في إطار برنامج سياسي معلن فإذا لم يتم الالتزام به يكون الطرف غير الملتزم قد خالف البرنامج المتفق عليه، لكن قضية مقاطعة الانتخابات لم ترد في البرنامج المعلن للجبهة وهي قضية متحركة لأنها خلافية، وهناك الكثير من النقاط المشابهة، وإلا ماذا يَجمع الحزب الشيوعي مع جماعة الإخوان المسلمين في إئتلاف سياسي واحد؟ أليس هو الاتفاق على برنامج الحد الأدني في المطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد؟ ألم يختلف أعضاء الجبهة على فكرة المشاركة في مسيرة "الإخوان" بوسط البلد في الخامس من الشهر الماضي؟ ألا يختلف أعضاء الجبهة على الموقف من الأزمة السورية؟
الأصل أن يكون التوافق سيد الموقف في الائتلافات والجبهات السياسية التي تُبنى على أسس ديمقراطية واضحة، فإذا وقَّعت الأطراف المشاركة على بيان تأسيسي ملزم فإنها مُجبَرة على التقيد به، واذا كان البرنامج غير موجود فإن التوافق يسود وإذا لم يتم فان كل طرف سياسي يقف في الاتجاه الذي يعجبه.
وإذا عدنا إلى الواقع فإن الجبهة الوطنية للإصلاح لم تعد ذات فعالية بعد إنْ أعلنت جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي تشكيل المجلس الأعلى للإصلاح واقتصار أطره القيادية على "الجماعة" فقط ، أليس في ذلك انتقاص من عمل الجبهة الوطنية للإصلاح وإضعاف لها، فإذا وافقت "الجبهة" أهواء "الإخوان" في فعالية أو نشاط فالأمور "خير وبركة" وإذا لم توافق التجأ "الإخوان" إلى مظلة "مجلسهم" الأعلى للإصلاح.
يخطئ من يعتقد أن الديمقراطية قضية سهلة وانتقال أوتوماتيكي من حالة إلى أخرى، فالاصلاح لا يقوده إلا إصلاحيون والديمقراطية لا يحملها إلا الديمقراطيون والمؤمنون الحقيقيون فيها، وإلا بقينا في إطار اللعب والتجريب، فالأحزاب قد "تشيخ" كالأفراد وتزداد تمسكا بسلطتها وتزداد خوفا من الجماهير ومن صناديق الاقتراع غير المضمونة.
ويبقى أن نقول :" لا معنى للربيع العربي إذا أحَلَّ فكرة مستبدة مكان حاكم مستبد".
العرب اليوم