انتصارات اليمين؛ هل يتفكك الاتحاد الأوروبي؟

انتصارات اليمين؛ هل يتفكك الاتحاد الأوروبي؟
الرابط المختصر

 

سجّل اليمين السويدي قبل أيام قفزة كبيرة في استطلاعات الرأي، بشكل غير متوقع، ليصبح في الصفوف الأولى بين الأحزاب بعد أن كان منذ عام فقط في ذيل القائمة. انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت العام الماضي، أظهرت تقدماً ملحوظاً لأحزاب اليمين، وكانت أقوى الانتصارات في فرنسا، قلعة المدنية والحريات والعلمانية، حيث حلّ حزب الجبهة الوطنية بزعامة ماري آن لوبان في مقدمة الأحزاب، وإن لم يحز على الأغلبية. اللافت أن أحزاب اليمين تطالب بانسحاب دولها من الاتحاد الأوروبي، وقررت هذه المرة خوض معركتها ضد "الاتحاد" من داخل البرلمان الأوروبي نفسه!

 

ويشير تقدم القوى المعارضة ضمن انتخابات البرلمان الأوروبي بالذات إلى أن الناخب في أوروبا تعب من التحالفات الحاكمة ومن المعارضة التقليدية، وهو ما ظهر بوضوح في بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، حيث تقدم في بريطانيا حزب الاستقلال المعارض للاتحاد الأوروبي بحصوله على 33 مقعداً، تاركاً خلفه التحالف الحاكم والمعارضة. وفي فرنسا حصلت الجبهة الوطنية (وهي حزب يميني معاد للمهاجرين وذو مواقف متشددة) بزعامة ماري آن لوبان على 25% من الأصوات، متقدمة بفارق كبير على الحزب الحاكم، وعلى المعارضة اليمينية التقليدية، اللذين حصلا على 14.7%، و 20.3% على التوالي.

 

أحزاب اليمين، في معظمها، لم تنجح في الانتخابات الوطنية في الحصول على أغلبية، أو حتى لتحالف أغلبية يمكنها من تشكيل الحكومة. الاستثناء الوحيد كان في الدانمارك، إذ نجح فيها يمين الوسط مؤخراً بتشكيل حكومة بدعم من اليمين المتطرف. اليمين الأوروبي تمكن من التقدم خلال الأعوام الأخيرة، مستنداً إلى "جرأة" في مناقشة مسألة الهجرة والأجانب، وإلى الأزمة الاقتصادية القاسية التي تعاني منها أوروبا. ورغم أنه -أي اليمين- لا يقدم حلولاً فعلية لهاتين المسألتين إلا أنه يلعب على وتريهما ببراعة، في غياب أية مواجهة حقيقية من قبل الأحزاب الأخرى التي تفشل في تقديم حلول للأزمة الاقتصادية، كما تتهرب من مناقشة مسائل اللجوء والهجرة والاندماج، حيث تتجنب الثقافة الأوروبية العلنية مناقشة مسائل الهجرة واللاجئين، وتنظر إليها من باب "العيب".

 

اليمين يطرح نفسه –بوضوح- معادياً للهجرة المستقبلية، وأحياناً معادياً للمهاجرين الموجودين بالفعل. وقد كيّف طروحاته حتى لا يبقى موسوماً بوسم النازية الجديدة، لكن روحه نازية بالفعل، والنسبة الكبيرة من قياديي وكوادر تلك الأحزاب كانت حتى قبل سنوات قليلة مضت ضمن منظمات نازية جديدة. في السويد –مثلاً- فإن الزعيم اليميني ييمي أوكيسون -الذي يشكل كاريزما وظاهرة لافتة جداً- كان ضمن شبيبة تنظيم نازي في نهايات ثمانينيات القرن الماضي. ولعل المخاوف من نمو الجالية المسلمة في أوروبا هي أفضل وقود لحملات تلك الأحزاب، التي لا توفر الوقت نفسه المهاجرين الأوروبيين، وهناك دعوات متصاعدة للحد من هجرة مواطني دول شرق أوروبا الأعضاء، ناهيك عن غير الأعضاء. وفي بعض الحالات نجد انتقادات شديدة في دول الشمال (ألمانيا والدول الاسكندنافية) لتصاعد أعداد المهاجرين من جنوب أوروبا الفقير (إسبانيا وإيطاليا واليونان، وحتى فرنسا التي تتخبط في أزمتها الاقتصادية وتتجه فيها الأمور نحو الأسوأ).

 

اليمين مرتبط إذاً بالعداء للمهاجرين، وبالعداء للاتحاد الأوروبي بوصفه كياناً، وهو ما يظهر في العلن، وما يثير الدهشة هو العداء المتصاعد للولايات المتحدة في أوساط اليمينيين، وبالنتيجة لـ"إسرائيل" كذلك. بعض أحزاب اليمين، مثل حزب "فلامز بيلانغ" البلجيكي، قالت إنها تنظر بعين الأمل إلى تعاون وثيق مع موسكو، وهو ما تكرر مرات عدة.

 

التوجه نحو موسكو لم يتخذ أشكالاً عملية بعد، وهو يرتبط بمسألتين في صلب عقيدة اليمين؛ الرغبة في تفكيك الاتحاد الأوروبي، والعودة للكيانات الوطنية للمحافظة على نقائها العرقي، والعداء للولايات المتحدة بصفتها من أهم داعمي "الاتحاد". لهذا نرى غزلاً متواصلاً بين موسكو وأقطاب اليمين، حتى في أزمة أوكرانيا حاولت أحزاب اليمين أن تتهرب من اتخاذ مواقف علنية، بل إن بعضها سرّب مواقف تعبر عن تفهم المخاوف الروسية في أوكرانيا ومصالحها الطبيعية في القرم، باعتبار أن موسكو في النهاية سترحب بانحلال "الاتحاد".

 

هكذا يحاول اليمين تفكيك "الاتحاد"، مستغلاً الأزمات الاقتصادية التي تعصف بأوروبا، ومستغلاً هشاشة المواقف الأوروبية في العموم.

 

الخصم الأقوى والأكثر شراسة لليمين، ولكل من يحاول المساس بالاتحاد هو المستشارة الحديدية، أنجيلا ميركل، التي قررت أن تمضي في معركة إنقاذ أوروبا حتى النهاية، رغم أنه سيكلف ألمانيا الكثير، إلاّ إنه سيضعف حجج معارضي "الاتحاد". ميركل تستميل روسيا كذلك، حتى لا تنساق وراء التحالف مع اليمين، ولدى ميركل علاقة وثيقة للغاية، شخصياً، مع الزعيم الروسي فلاديمير بوتين.

 

المعركة حول الاتحاد شرسة للغاية، وجزء كبير من نتيجتها قد يتحدد بناء على تطورات ملفين رئيسين ملحّين: الأول موجة اللجوء السوري الضخمة المقبلة على أوروبا، التي تفجرت بعض فصولها على حدود مقدونيا، والثاني هو الأزمة الاقتصادية التي يظهر رأسها في اليونان، لكنها عميقة وتهدد بأن تضرب بقوة في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا. الطريقة التي ستتعاطى بها أوروبا الرسمية مع هذين الملفين ستنزع الذرائع التي يعتمد عليها اليمين في التحشيد، وقد تصب المزيد من الوقود على النار.

 

 

علاء الفزاع: كاتب أردني مقيم في السويد

أضف تعليقك