انتخابات الإخوان في «السياق الوطني العام»

انتخابات الإخوان في «السياق الوطني العام»
الرابط المختصر

قف حزب جبهة العمل الإسلامي، ومن خلفه جماعة الإخوان المسلمين، على رأس قائمة الأحزاب والتيارات السياسية الأردنية، لا من حيث الانتشار والنفوذ، بل من حيث ممارسة أنماط متقدمة من “الديمقراطية الداخلية” كذلك...انتخابات دورية، مؤتمرات منتظمة، تجديد للقيادة وتداول عليها، كل ذلك من دون أن تشهد الحركة انشقاقات واسعة كما يراهن المراهنون.

ويكفي الحركة الإسلامية بجناحيها (الحزب والجماعة)، أنها الوحيدة التي تحتفظ في صفوفها بعدد وافرٍ من “المراقبين العامين” و”الأمناء العامين” السابقين...هذا لا يحدث في بقية الفصائل من قومية ويسارية، بل وحتى “ديمقراطية” و”ليبرالية”...حيث الأمين العام “للأبد”، ولا يستقيل أو يُقال، إلا بداعي الوفاة أو العجز الكلي عن “مزاولة المهنة” أو الانشقاق الصاخب المصحوب بأزمة ثقة واتهامات متبادلة وصراع محتدم على الشرعية.

أمس، انتهت انتخابات الجماعة...بعد “مجلس الشورى”، جرى انتخاب مراقب عام ومكتب تنفيذي...وحظيت المسألة باهتمام واسع من الصحافة ووسائل الإعلام والدوائر السياسية والإعلامية، والسبب لا يعود فقط إلى مكانة الحزب ونفوذ الجماعة، بل لأننا أمام انتخابات فعلية، فيها تنافس محتدم، ونتائج تتقرر بفارق أصوات قليلة (صوت أو صوتان)...فيها ائتلافات واحتمالات...ويترتب على نتائجها، سياسات ومواقف، تتفاوت القراءات في تقدير حجم الاختلافات والفجوات فيما بينها.

ما جرى ويجري في الجماعة، دليل عافية وحيوية، تفتقر له معظم إن لم نقل جميع الأطر السياسية والحزبية في البلاد...وهذه نقطة تسجل للحركة الإسلامية، لا عليها، برغم المبالغات في قراءة حجم الخلاف والصراع فيما بين تيارات الحركة واتجاهاتها...وحدها الأحزاب الحيوية والمتجذرة تشهد أمراً مماثلاً...أما أحزاب “اللون العقائدي المُصمت الواحد” أو “الزعيم الأوحد”، أحزاب النخب المحدودة والعضوية الضئيلة، فلا يتوقع لها أن تشهد أمراً مماثلاً، وهي لا تحظى بمثل هذه الحيوية على أية حال.

أما فيما خص نتائج الانتخابات في الجماعة، فأحسب أن ما قيل عن غلبة تيار الصقور على الحمائم لم يكن أمراً مفاجئاً، اللهم إلا للذين يقرأون حراك الجماعة بمعزل عن الحراك الوطني (والحكومي) العام....فالجماعة، كما معظم الأحزاب والنشطاء السياسيين، باتوا يدركون تمام الإدراك، أن عملية الإصلاح بلغت طريقاً غير نافذ...وأنها تختنق بالمراوحة والمماطلة، وأنها تسير خطوة للأمام وخطوتين للخلف.

الإسلاميون، قرأوا الرسائل التي سبقت وصاحبت وأعقبت، استقالة عون الخصاونة وتكليف فايز الطراونة...فرأوا أن كثيرا منها، موجهة إليهم بالذات...الخصاونة دفع – جزئياً – ثمن انفتاحه عليهم ومحاورتهم...والطراونة أشهر في وجوههم سيف “الصوت الواحد” و”وضع المحافظات في مواجهة نخب عمان”، في أول تصريح له يعقب التكليف وقبل إتمام التشكيل.

والحملة المُضريّة على الخصاونة، ليست أبداً وليدة استقالته غير المألوفة من حيث الشكل والمضمون، بل ويكمن وراء أكمتها ما يكمن.

في مثل هذه المناخات، من الطبيعي أن ترتفع الأصوات الصقرية داخل الجماعة، وأن تجد الحمائم عنتاً ومشقة في تسويق خطابها وحشد التأييد له وكسب الأنصار والأصوات لمرشيحها إلى المواقع القيادية...هذه ليست بدعة أردنية خاصة...هذه خلاصة تجارب الحركات الإسلامية في المنطقة برمتها...النظم المعتدلة أنجبت حركات معارضة معتدلة (بمن فيها الإسلامية)، والنظم الدموية أنتجت معارضات دموية...وحيثما توفرت فرص انطلاق عمليات وديناميكيات سياسية جادة وجدية، تكيّفت المعارضات مع مقتضياتها سريعاً، وإن بتفاوت مفهوم بالطبع...وعندما تُسدُّ سبل الإصلاح، فإن الطبيعي والمنطقي كذلك، أن تعود الأصوات الصقرية للارتفاع من جديد.

أحسب أن أحداث الأسبوعين الأخيرين، على المستوى الوطني والإخواني، تدفع للاعتقاد، بأن مشوار الإصلاح العاثر، سيواجه مزيداً من العثرات، وأن التوتر بين الحكومة (الحكومات القادمة) والمعارضة بعامة والإسلاميين بخاصة، سيكون سيد الموقف...أحسب أن ظلالاً من الشك، بدأت تخيّم على الاستحقاق الانتخابي المقبل، الذي ينظر إليه كثيرون بوصفه نقطة تحوّل في مسار الإصلاح، ونراه مجرد استحقاق لا يختلف عن سابقيه في 2007 و 2010، وهذا أمر مؤسف في كل الأحوال.

span style=color: #ff0000;الدستور/span