الوصفة الذهبية: تجديد العقد الاجتماعي

الوصفة الذهبية: تجديد العقد الاجتماعي
الرابط المختصر

أحد المراقبين (عن قرب) يصف المشهد السياسي الآن بأنّه أشبه بإشارات ضوئية على تقاطع طرق تعطي جميعها اللون الأخضر، مما يخلق حالة من الفوضى والتداخل، ويشكّل "مُجمّع أزمات" بين المسارات المختلفة، بدلاً من أن تكون متكاملة ومنظّمة، تصبح متضاربة ومتقاطعة!

ذلك الإدراك ليس بعيداً عن "دوائر القرار" اليوم، فلم يعد المسؤولون ينكرون وجود أزمة سياسية ثقيلة، كما كانوا يفعلون سابقاً، بل انتقل الخطاب الرسمي المْغلق (الداخلي) من لغة التقليل والتهوين مما يجري من توترات اجتماعية ونمو للهويات الفرعية إلى حالة مناقضة تماماً مسكونة بالقلق والارتياب.

المشكلة تكمن في أنّ المقاربة الرسمية (إلى الآن) ما تزال تتعامل مع "مجمّع الأزمات" الحالي، بمنطق "القِطْعة" والتجزيء، فتفصل بين أسبابه وشروطه، وتعزله عن السياق الأهم والأخطر، وهو المسار التاريخي للتطور السياسي والاقتصادي الاجتماعي للدولة وعلاقتها بالمجتمع والأفراد.

في المقابل، فإنّ القراءة الدقيقة الكلية للحظة الراهنة تؤدّي بنا فوراً إلى نتيجة مهمة بأنّ "التزاوج" بين المعادلة السياسية والاقتصادية، الذي أطّر العقود السابقة قد استنزف مخزونه، ولم يعد قادراً على إدارة الوضع الراهن، ولا تقديم وصفة ذهبية للمستقبل وخياراتنا الاستراتيجية فيه.

المنبع الرئيس لمجمّع الأزمات يأتي من الفجوة الواسعة بين التحولات الكبرى في المعادلة الاقتصادية والثقافة الاجتماعية وبين المعادلة السياسية التي بقيت على حالها، خلال السنوات السابقة، بل كانت في عُهدة "المنظور الأمني"، مما أصاب القدرات السياسية بحالة من الجمود والضعف، وعدم القدرة على تجديد ذاتها وأدواتها.

في النتيجة فإنّ التعامل الرسمي الحالي مع اللحظة الراهنة بمنطق "التسكين" وشراء الوقت، واللجوء إلى الأدوات التقليدية ليس خياراً جيّداً، ولا يمثّل مفتاحاً مستقبلياً، بقدر ما يؤدّي إلى استدامة الأزمات وترحيلها وتجذيرها.الوصفة الذهبية"، التي تفتح الطريق إلى الحلول الاستراتيجية، تتمثل في تجديد العقد الاجتماعي- السياسي بين الدولة والمجتمع والمواطنين.

الخطوة الأولى تبدأ من استعادة الدولة لزمام المبادرة وإعادة ملء "المنطقة الوسطى"، التي تشكّل تقليدياً وتاريخياً المساحة التي تقف عليها الدولة ونخبها، والأرض الصلبة للجماعة الوطنية وخطاب النخبة السياسية المنفتحة.

المشكلة تبدو، حالياً، في أنّ النخب السياسية الفاعلة (حتى تلك التي كانت تدور سابقاً في فلك الدولة) تتجه للوقوف على مناطق الأطراف، وتتبنّى خطاباً إقصائياً أو تشكيكياً تجاه الآخر، يتناغم مع بروز "الهويات الفرعية" ونمو "الهواجس المتبادلة"، تحت وطأة التحولات البنيوية الداخلية، والانتكاسة التي يعاني منها مسار التسوية السلمية، مما يلقي أسئلة حسّاسة على المعادلة الداخلية.

خيارنا الاستراتيجي اليوم يكمن بإعادة تعريف "المنطقة الوسطى"، استناداً إلى توافق سياسي عميق، وتجديد خطاب الدولة، وإعادة بناء النخب القادرة على حمله والدفاع عنه، وإرسال رسائل مطمئنة للمكونات الاجتماعية المختلفة حول المستقبل.

خطاب التجديد والبناء والتوافق هو المؤهّل لمواجهة خطاب الخوف، الذي يزرع الهواجس والشكوك ويحيي "الهويات القاتلة" المتناحرة!"