الهيئة المستقلة.. والمهمة الصعبة

الهيئة المستقلة.. والمهمة الصعبة
الرابط المختصر

يمكن مقارنة معالي عبدالإله الخطيب، رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب، بالممثل توم كروز صاحب سلسلة أفلام "المهمة المستحيلة"؛ فهي مقارنة تصلح لوصف جهد الهيئة المستقلة الاستثنائي لترسيخ نزاهة الانتخابات ومصداقيتها.

التحدي كبير ولم ينته بعد. فالجملة الأكثر تداولا على ألسنة المواطنين لوصف شعورهم تجاه نزاهة هذه الانتخابات هي: "مش رايحين يدّخلوا هاي المرة"، في مؤشر على قناعة بوجود النزاهة في الانتخابات المقبلة، ولكن مع عدم ضمان استمرارية ذلك في المستقبل؛ إي أن النزاهة المتأتية الآن هي متطلب مرحلة وليست توجها استراتيجيا راسخا.

وفي الذهن عدد من المؤسسات التي بدأت قوية، ولكن نُزع منها الدسم لاحقا، لتتحول إلى دوائر بيروقراطية تجلس على صفحات موازنة الدولة.

مشكلة "الهيئة"، اذن، ليست في "التدخل" رغم المقاومة المتوقعة "لعدم التدخل"، بل هي في مكافحة أساليب التزوير المتطورة، ورمادية بعض السلوكيات الانتخابية والمواد القانونية.

يسجل للهيئة أنها استطاعت الاستجابة لتوجسات واحتمالات التزوير، فرسخت سرية الاقتراع حتى تكافح شراء الأصوات، وجعلت الانتخاب السري ظاهرا عن بعد، حتى لا يتمكن شخص من إخراج ورقة الاقتراع ليضع عليها في الخارج اسم المرشح الشاري للصوت كما حدث في الانتخابات الماضية.

كما حرّمت تصويت الأمّي كي لا يقايض الصوت بالمال، وقامت أيضا باستنهاض همم رجال الدين لتوعية الناس، وتجريم ابتياع أصوات الناخبين من منطلق ديني.

وفتحت "الهيئة" الأبواب للمراقبة المحلية والدولية للانتخابات، وفي هذا ثقة بالنفس، وتأكيد بأننا لا نبيّت شيئا، وإنما نريد للانتخابات أن تكون ضمن أعلى درجات النزاهة.

والمراقبة، خاصة المحلية منها، إذا ما تمت بمهنية، فهي كفيلة بكشف محاولات التزوير، وفضح أي تدخل في الانتخابات.

كل هذه الخطوات مقدرة، لكن المهمة ما تزال معقدة، وتزداد صعوبة عند استحضار طرق عديدة مشروعة لاستخدام المال في السياسة، قد تختلط في أذهان الناس مع المال السياسي الأسود، من مثل أن يدفع حزب ما نفقات حملة أحد مرشحيه، أو أن يقوم مرشح بتوزيع مساعدات عينية على فئة محتاجة من أبناء دائرته الانتخابية، وقد كان هذا بالفعل سلوكا متبعا ومقبولا قانونيا واجتماعيا في السابق، ولكن الفرق الجوهري هو أن المُعطي لم يكن يضمن أو يكتشف ما إذا كان من تبرع لهم قد صوتوا له، ما يجعل تبرعه سلوكا مشروعا.

التفريق بين المال السياسي الأبيض وذلك الأسود مهمة معقدة بالفعل، وقد يحتاج الأمر إلى ضابطة عدلية، وقدرة تحقيقية تلحق بالهيئة بشكل مباشر.

تزداد مهمة إحقاق النزاهة تعقيدا، وربما استحالة، بعد مطالعة شروط الترشح للانتخابات، والتي تفرض أن لا يكون للمرشح "منفعة مادية مع الدوائر الحكومية"؛ فكيف يمكن التحقق من ذلك؟ وكيف سيتسنى السيطرة عليه؟ ألا نعرف من الآن عددا من المرشحين من أصحاب المصالح مع الدولة بطرق مختلفة؟ وهل من المعقول توقع تطبيق هذا النص في دولة 60 % من نشاطها الاقتصادي، إن لم يكن أكثر، مرتبط بالدولة والقطاع العام؟

تبدو المهمة صعبة للغاية إذا ما أردنا انتخابات مثالية. لكننا قطعنا شوطا كبيرا باتجاه إحقاق النزاهة المؤملة، واستعادة مصداقية الانتخابات. ونحمد الله أن لدينا رجالا وخبرات ممن لديهم القدرة والمصداقية على إنجاز ذلك.

الغد