النائب الذي نريد

النائب الذي نريد

مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية كَثُرَ الحديث في وسائل الإعلام والمجالس والصالونات عن "النائب الذي نريد". وهذا أمر إيجابي على نحو عام، إذ يدلل على اهتمام عدد كبير من الناس بنوعية البرلمان القادم وبتطوّر العملية الديمقراطية. فالشيء السلبي هو اللامبالاة أو عدم الاكتراث.

ومع أن بعضهم يتحدث بدقة وواقعية عن المطلوب من البرلمان المقبل، فإن المعظم يُبدي توقعات عالية. وللتوقعات العالية جانبان، واحد إيجابي وآخر سلبي. أما الأول فيتجسد في وضع النائب تحت ضغط مستمر ليحسّن من أدائه ويَنْشط في خدمة قضايا الناس والأمة ويحاول أن يكسب رضا الناخبين.

وهذا مهم. من الملاحظ على أداء معظم البرلمانات السابقة ومعظم النواب أن درجة رضا الناس عنه كانت متدنية جداً، وقد عبّر معظم الناس عن آرائهم في هذا المجال بصراحة وجرأة. وقد وصلت تلك الآراء بقوة ووضوح للبرلمانات والنواب. ومع أن النواب لم يرقوا لغاية الآن لمستوى الطموح، فإن إبقاء سقف الطموحات عالياً أمر حاسم في تطوّر البرلمانات والأحزاب في المستقبل. فالضغط والإلحاح، كما تعلّمنا من "الربيع العربي"، يولدان التغيير.

والمراقب لما يجري يشعر الآن ببعض المؤشرات على التغيير. فمع أن معظم ما يُطرح من شعارات ما زالت تلك التي نحفظ عن ظهر قلب، فإن بعض المرشَّحين يحاولون طرح بعض البرامج. وهذا مؤشر – ولو بسيط – على علمهم بأن الناخب جاد ومصر على أداء مختلف وأن النائب يحاول أن يقدم الجديد. من المهم إبقاء النائب تحت الضغط.

بيد أن حجم التوقعات الزائد قد يكون له بعد سلبي، يتمثل في شعور من يحملها بالإحباط إذا لم تتحقق، ممّا قد يُفقد الناس الثقة بالنواب والبرلمان وربما العملية الديمقراطية. ومن هنا تبرز أهمية الحديث بدقة عمّا يمكن أن يقدِّم النائب في هذه المرحلة الابتدائية من العمل الحزبي والأداء الديمقراطي.

كثير ممن يتحدثون في وسائل الإعلام يطلبون نواباً بأجندات محددة وبرامج واضحة. ومع أن المطلب مهمّ ومع أن الناخب يجب أن يبقى يُصرّ على ذلك، كما أسلفنا، إلا أنه من المهم أن ندرك في قرارة أنفسنا صعوبة تحقّق ذلك. فمعظم من رشّحوا ويرشحون أنفسهم ليس لهم سيرة مقنعة في الخدمة العامة وليس لديهم الخبرة أو الكوادر المساندة التي تساعدهم على بلورة برامج ذكية محددة قابلة للتطبيق، كما يحصل في المجتمعات الأكثر خبرة في العمل الديمقراطي.

والكوادر المساندة أمر حاسم. ففي الديمقراطيات المتطورة يساعد المرشح كوادر مدرّبة قادرة على التفكير وبلورة الرّؤى وصياغة البرامج للمرشح. أما عندنا، ففي معظم الأحيان يتم الأمر بجهد عفوي كارزميّ من المرشح، على مبدأ الإنسان المُلْهَم أو "المخترة" أو الشيخة والوجاهة. وفي معظم الأحيان يخاطِب المرشح شعور الناخب ووازعه الوطني أو رابطة القرابة أو الجيرة، لا عقله أو حاجاته الحقيقية.

حاجات المواطن الأردني معروفة: فرص عمل للعاطلين عن العمل، فرص عمل أكثر مردوداً لموظفي الدخل المحدود، حياة كريمة للفقراء، فرص تعليم جيدة لأبناء الأسر، سكن مقبول للعديد من العائلات التي ما زالت لا تستطيع امتلاك بيت أو شقة، محاربة للفساد قائمة على رؤية دقيقة وأسلوب ناجع في المتابعة بعيداً عن الغوغائية والتهويل، محاربة محسوسة للمحسوبية والشللية والوساطة، دعم ملموس للاستثمار في المحافظات، انتصار للحريات العامة مربوط بحس عال بالمسؤولية، انتماء لقضايا الأمة العربية نابع من أفكار محددة قابلة للتطبيق، مقترحات جلية واضحة لحماية البيئة وحقوق المرأة وحقوق الطفل وتطوير التعليم، إلخ.

هل يستطيع نوابنا فعل شيء حاسم – وكلمة حاسم مهمة هنا – في هذا المضمار؟ لا أظن. لم نصل إلى تلك المرحلة بعد.

إذاً ماذا يستطيع النائب أن يقدم ؟ وما هي مواصفات النائب الذي نريد؟

بعيداً عن الإنشاء ولغة العاطفة والأمنيات التي لن تتحقق، كل ما نريد في هذه المرحلة، ببساطة، نائب جاد مخلص ومثابر – فقط لا غير.

فالنائب الجاد المخلص المثابر هو الذي يستطيع أن يُحارب من أجل برلمان نزيه، برلمان يُؤخَذ على محمل الجد يُعلي مصلحة المواطن والوطن فوق كل مصلحة ويضغط باتجاه تشريعات تُؤسس لحياة برلمانية مستقبلية واعدة.

وهذا بحد ذاته إنجاز كبير. فآخر ما نريد – وهذه كلها أمور حصلت – نائباً همه الأول سيارة فارهة له ولزملائه وزيادة راتب له ولزملائه وتقاعد مدى الحياة وجواز دبلوماسي أحمر، وترّهات وتفاهات من هذا القبيل لا حصر لها. وآخر ما نريد برلماني يتلفّظ بألفاظ نابية أو يضرب زملاءه بحذائه أو بمنفضة سجائر، أو نائب ثقيل الظل سيئ المعشر عنجهي جهوي فئوي ضيق الأفق متعجرف.

من المحزن أنّ من يرشحون أنفسهم ليسوا أفضلنا، لا بل إن عدداً منهم طلاّبو مصالح شخصية وشيخة وحب الظهور، والعديد يُمارس ويعزز المحسوبية والوساطة واختراق القانون وإرهاب المؤسسات وإثارة النعرات.

ومن هنا تكمن أهمية اختيار من يُعرف عنه الأدب والخلق والسلوك الحسن والإيثار وحب خدمة الناس والالتفات إلى الصالح العام.

النائب الذي نريد هو النائب المُجسّد في شخصه ومسلكه قيم مجتمعنا النبيلة، أما البرامج والمشاريع فتأتي لاحقاً.

العرب اليوم

أضف تعليقك