الموضوع أكبر من قانون ضريبة الدخل المقترح
في خضم موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي غطت مختلف محافظات الأردن منذ أيام، والتي تعبر عن صراع اجتماعي وسياسي واضح بين الحكومة وأجهزتها المختلفة من جهة، وغالبية المواطنين وأطرهم المدنية المختلفة من جهة أخرى.
هذا الصراع عنوانه الأساسي مقترح القانون الجديد لضريبة الدخل، ولكنه يعبر عن حالة من الغضب الشديد من قبل غالبية الأردنيين تجاه طريقة إدارة الحكومة لشؤونهم، وعدم التفاتها لحقوقهم ومصالحهم، واستهتارها بمطالبهم ومشاعرهم، واحتوائها لإرادة المؤسسات الدستورية وعلى رأسها مجلس الأمة بغرفتيه النواب والأعيان.
وقد أنتقل هذا الصراع الى ساحات المدن بعد أن فشل داخل أروقة المكاتب والقاعات مع عدد محدود من ممثلي القطاعات الاقتصادية والمدنية و(اتخاذه الطابع الشكلي)، أعلنت خلاله الحكومة عن تمسكها بموقفها تجاه مخاوف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والمتضررة منه، وتعاملت مع معارضي القانون باعتبارهم (اثرياء ولا يريدون دفع ضريبة الدخل).
وسرعان ما تبين خطأ هذه الفرضية، وخطأ تقدير الحكومة وأجهزتها المختلفة للموقف، حيث نزل يوم الأربعاء الماضي عشرات آلاف المواطنين من مختلف مكوناته الاجتماعية رافضين قانون ضريبة الدخل المقترح، معبرين عن موقفهم من خلال اضرابات واعتصامات لم تشهدها البلاد منذ عشرات السنين، واتسع نطاق احتجاجاتهم ليشمل المطالبة بمراجعة مختلف السياسات الضريبية والسياسات الاقتصادية التي أضرت بمصالحهم، وكانت السمة العامة لغالبية المواطنين الغضب الشديد من السياسات الاقتصادية الحكومية وتنكر الحكومة لهمومهم وحقوقهم ومصالحهم.
وكما هي عادة حكوماتنا أخطأت الحكومة مرة أخرى في تقديرها للموقف، فأصرت على موقفها الرافض لسحب مقترح القانون، لابل أقدمت على خطوة تفتقر للحد الأدنى من الذكاء السياسي، اذ رفعت أسعار المشتقات النفطية بنسب عالية تقارب 5 بالمائة، أمس، دون أن تلتفت الى حالة الغليان والغضب التي يعيشها الغالبية الكبرى من المواطنين.
صحيح أن الموضوع كان عنوانه قانون ضريبة الدخل الجديد، ولكن المراقب للشعارات والمطالب والهتافات وحالة الغضب الشديد التي يعبر عنها المواطنين في احتجاجاتهم الواسعة، سواء كانت في الساحات أو في المناسبات الاجتماعية المختلفة، أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، تشير الى أن الموضوع أبعد من ذلك، اذ أن القضية مرتبطة بطريقة أدارة الحكومات و(ليس هذه الحكومة فقط) للدولة.
فهم يشاهدون وبشكل متكرر ممارسات كبار المسؤولين الحكوميين البعيدة كل البعد عن المسائلة والمحاسبة، ويرون أن الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي يتم الحديث عنه منذ عقود، ما هو الا كلام للاستهلاك، لم يشاهدوا ثمارا له على أرض الواقع.
كيف لأغلبية الأردنيين أن يصدقوا ويثقوا بالتعهدات الحكومية وخططها وخطابها ومبرراتها، في الوقت الذي قضت في (الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة) على قدراتهم الشرائية، كيف لهم ذلك ومعدلات الفقر في تزايد مستمر، ومستويات الأسعار تزداد بشكل كبير، ومعدلات أجورهم شبه ثابته عند مستويات منخفضة، ومعدلات البطالة أيضا في تزايد كبير جدا خاصة بين الشباب والنساء.
الموضوع أكبر من قانون ضريبة الدخل المقترح.
*مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية