المواصلات؛ أزمة دولة ومواطنة

المواصلات؛ أزمة دولة ومواطنة
الرابط المختصر

تُبرز دراسة حديثة نشرت منذ أيام قليلة استنزاف شبكة المواصلات في الأردن دخْل المواطنين ووقتهم وأعصابهم وسلامتهم كذلك، وتؤشر نتائجها إلى خلل تنموي يُمكن معالجته بمشاريع ضخمة، بينما تعكس قراءة معمقة للنتائج ذاتها انكشاف الدولة عن عجز يطال بنيتها كاملةً.

"عجز" يُظهره التشوه في توسّع عمّان وعشوائية تمددها العمراني، فقد أدى الفساد وسوء التخطيط والزيادات السكانية المفاجئة إلى تكوّن العاصمة من عشرات التجمعات السكنية بواجهاتٍ تجاريةٍ (تخالف تخطيط المدن القائم على مركز تجاري وحيدٍ يحيط به أحياء سكنية)، ما يعني استمرار الاختناقات المرورية وارتفاع تكلفة النقل، وحوادث السير، ومزيدٍ من التلوث، وتهديد الأمن والأمان، الذي يحتاج بحثاً موسعاً وربطه بعوامل أخرى.

عمّان مثْل غيرها من مدنٍ فاشلةٍ تكتظ سكاناً في العالم الثالث، فتجد منطقة تحتوي آلاف البيوت تجاورها مطاعم ومحلات تجارية، لكنها تفتقر إلى وجود سينما ومنتزه وملعب وغيرها من المراكز الترفيهية والثقافية، وعليه يتضاعف العبء على وسائل المواصلات، لكن المحصلة النهائية هي زيادة سكانية بمواطنين غير أصحاء ولا يجمعهم أي تفاعل إنساني حضاري.

عاصمةٌ تبدو عصيّة على الاستيعاب، فمن يعرف لماذا بُنيت الجامعة الأردنية في موقعها، فإنه لن يعي، اليوم، كيف يتمكن حوالي 60 ألف طالب وموظف من الذهاب والعودة إليها، والأمر ذاته ينطبق على مراكز حيوية عدّة.

ويتملكك شعور بالطرافة نتيجة غياب عقل مخطط لهذه الفوضى البشرية والحجرية، ولا حاجة للسؤال عن ترخيص خمسين مطعماً وأكثر في شارع لا يتجاوز طوله 1 كلم واحد، وهنا يلزمنا العودة إلى أرقام الدراسة المذكورة التي تشير إلى أن المواصلات تكلّف الأردنيين ربع دخلهم وساعتين من وقتهم يومياً تقريباً.

المسألة لا تتوقف عند إهدار المال والزمن، فالمواطنون يشكون سوء الخدمة وعدم انتظامها، ومحدودية تغطية شبكة النقل للأمكنة وضمن الأوقات المطلوبة، وتدني مستوى الخدمات المرافقة والمساعدة، وفي مقدمتها النظاقة وسلوك السائقين، وافتقار عمان الشرقية – تحديداً- إلى ظروف نقل جيدة، ما يؤثر على ظروف حياة أهلها كاملةً.

"لا تخطيط" عمّان نصف حقيقة مرّة تكتمل مرارتها بالحديث عن علاقتها "المضطربة" بالأطراف، فهناك 8 محافظات (الزرقاء، إربد، جرش، عجلون، المفرق، البلقاء، مأدبا، الكرك) لا تفصل أبعدها، وهي الكرك، عن عمان 140 كلم، لكن أبناء هذه المحافظات يعانون سوء المواصلات وتوقفها عن العمل طوال ساعات الليل.

لم يحظ مئات آلاف من مدن وقرى المملكة (يشكل عدد سكان المحافظات الثماني المذكورة والعاصمة معاً 95% من سكان الأردن) بشبكة مواصلاتٍ فعّالةٍ، مما يضعهم أمام خيارين؛ إضاعة الوظيفة أو اضطرارهم إلى إنفاق معظم أجورهم على السكن في العاصمة أو بالتنقل منها وإليها، وهو ما حولّهم إلى مجرد فائض بشري لا يساهمون بشكل حقيقي في تنمية عمّان أو محافظاتهم على حد سواء.

المواصلات ليست خدمة تُصمم لنقل الناس إلى أماكن عملهم وسكناهم، إنما هي تعبير جليّ عن مستوى التنمية والتقدّم، الذي يؤكد تجذّر الإنسان بالمكان وحضوره فيه، ولن تُكرّس قيم الدولة والمواطنة والتمدن إذا حُرم الأفراد وسائط مادية تُوفر تنقلهم بأقل تكلفة وتُؤمّن التفاعل فيما بينهم.

 

محمود منير: كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

 

 

 

أضف تعليقك