الموازنة.. مناقشات في الوقت الضائع

الموازنة.. مناقشات في الوقت الضائع
الرابط المختصر

رغم معرفة النواب بأن الحكومة أنفقت نصف الموازنة العامة تقريبا، إلا أنهم، ومنذ أيام، منهمكون في مناقشة بنودها؛ وكأن السنة المالية لم تبدأ بعد.

الموازنة كانت قد أُقرّت كقانون مؤقت، ولا بد من الناحية الدستورية من عرضها على مجلس الأمة لإقرارها. لكن كان يمكن للسلطتين التشريعية والتنفيذية أن تتفاهما على آلية عملية لإقرار الموازنة بدون إضاعة وقت المجلس الثمين في مناقشات فائضة عن الحاجة.

بيد أن الخطابات تحت القبة كانت، بحد ذاتها، هدفا لجلد الحكومة وتقريعها، في ظل حالة التوتر التي تسيطر على علاقة السلطتين، واقتراب الحكومة من اتخاذ قرار رفع أسعار الكهرباء على كبار المستهلكين، وهو القرار الذي يواجه معارضة في البرلمان.

لهذه الاعتبارات، بدت المناقشات مناسبة للنواب لإعلان موقفهم من القرار قبل إعلانه، لتبرئة ذمتهم أمام قواعدهم الانتخابية.

وقد يتحول التصويت على قانون الموازنة إلى محطة لتجديد الثقة بالحكومة وبرنامجها الاقتصادي، أو حجب الثقة كما يدفع تيار نيابي يقوده خصوم رئيس الوزراء عبدالله النسور.

ورغم إدراك النواب للحظة الاقتصادية والمالية الحرجة التي تجري في ظلها المناقشات، إلا أن العديد منهم لم يتخلوا عن تقاليد أسلافهم من أعضاء المجالس النيابية بتقديم لوائح طويلة من المطالب الخدمية التقليدية؛ جامعات جديدة، ومستشفيات، وطرق، واستحداث المزيد من الوحدات الإدارية، وغيرها مما عهدنا من مطالب يتطلب تنفيذها أضعاف موازنة الدولة.

اللافت أنه بينما حاولت اللجنة المالية للمجلس الاجتهاد في تقديم اقتراحات لخفض النفقات، تبارى النواب تحت القبة في الدعوة إلى زيادة الإنفاق، في مؤشر على غياب التنسيق بين المجلس ولجانه.

ولم يلتفت النواب في مناقشاتهم إلى أن النصف الثاني من هذا العام سيشهد طرح مشاريع تنموية ممولة من المنحة الخليجية.

فبعد أسابيع طويلة من المداولات بين الحكومة والصناديق الخليجية المانحة، تم اعتماد قوائم المشاريع المتفق على تمويلها بقيمة تتجاوز مليار دينار.

وتتوقع مصادر حكومية أن تُطرح هذا العام عطاءات بقيمة لا تقل عن 400 مليون دينار، لتمويل مشاريع في مجالات الطاقة المتجددة، وإنشاء ميناء الغاز في العقبة، وميادين تنموية أخرى تشمل مختلف المحافظات.

تعمل وزارة التخطيط ووزارة المالية حاليا على وضع آلية محكمة تضمن أعلى درجات الشفافية، وحسب الأصول القانونية المتبعة، لإنفاق المبالغ المخصصة وفق الاتفاقيات الموقعة مع الجهات المانحة، وتحت إشرافها أيضا.

كان الأجدر بالنواب أن يوجهوا اهتمامهم في مناقشات الموازنة إلى استعراض قوائم المشاريع الممولة من المنحة الخليجية، ووضع آلية بالتعاون مع الحكومة لضمان سرعة التنفيذ، لما لهذه المشاريع من آثار إيجابية في تحريك الاقتصاد، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين قدرات الأردن التنافسية في أكثر من مجال.

إن أموال المنحة الخليجية هي النافذة التنموية الوحيدة في الموازنة. وهي في الحقيقة بوابة كبيرة، يمكن لها أن تحدث فرقا تنمويا كبيرا على مدار خمس سنوات، إذا ما أحسن استغلالها في إنشاء المشاريع الحيوية المطلوبة وتنمية المحافظات، بدل الإلحاح على زيادة النفقات، وبالتالي العجز في الموازنة، عن طريق استحداث وظائف حكومية تقليدية لم يعد جهاز الدولة المتخم يتحمل  المزيد منها.

الغد

أضف تعليقك