"المكارثية" وصكوك الوطنية

"المكارثية" وصكوك الوطنية

تتنامى في الأردن ممارسات إقصائية مع تعقّد الأزمة السياسية والاقتصادية تُذكّر باتجاه سياسي قاده عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جوزيف مكارثي إبان الحرب الباردة، حيث استغل حالة العداء مع الاتحاد السوفييتي لمحاربة خصومه السياسيين عبر اتهامهم بالشيوعية.

نشهد محلياً موجة تخوينٍ وإقصاءٍ تنال كل من يجرؤ على معارضة السياسة الرسمية، وتتذرع  بشعارات لا يختلف عليها إثنان مثل حب الوطن والخوف عليه، قد تُوصلنا إلى ما شهدته الولايات المتحدة في تلك الحقبة المظلمة، إذ أُعدت حينها قوائم سوداء تضم شخصيات عامة، وسُجن العشرات وطُرد آلاف الموظفين بناء على معلومات مزورة وإشاعات، لتنكشف الحقائق لاحقاً ويُوجه مجلس الشيوخ التأنيب إلى مكارثي.

أنظمة عديدة مارست المكارثية في مراحل مختلفة، ومنها ما تفرضه دول عربية من سياسات، حالياً، فعلى سبيل المثال ما زالت تهمة الانتماء للاخوان المسلمين تستخدم في مصر بشكل مثيرٍ للسخرية والحزن في آن.

وكذلك تُوّجه الاتهامات إلى معارضين لدينا بأنهم يكرهون الأردن أو لا ينتمون إليه أو يُظهرون الانتماء لتحقيق مآرب ومصالح خاصة، ويتكرس الإقصاء بتهويل المخاوف المجتمعية وتحويلها إلى حالة من الذعر من خلال اختراع أعداء وهميين يتوحد الجماهير ضدهم، واستحداث معارك مفتعلة دفاعاً عن خطر وهمي يهدد قيم المجتمع أو أمن الوطن، فتُخلق حالة من التسامح تجاه انتهاك وتقييد الحريات.

ولا تقتصر هذه الممارسات في الشأن السياسي؛ إذ يتركز الإقصاء والشيطنة –غالباً- على السلوكيات والممارسات الاجتماعية، فتجد صحفاً وأفراداً يلعبون دور الشرطي الأخلاقي يُحاسب ويفضح كل من يتجرأ على الخروج على السياسيات الرسمية، ضاربين بعرض الحائط الحريات الشخصية التي كفلها الدستور الأردني.

ولعل أخطر ما في هذه الممارسات أنها تخلق تسامحاً تجاه انتهاك وتقييد الحريات فتدفع المواطنين لقبول المساس بحقوق الآخرين تحت ذريعة المصلحة العامة والفضيلة والأولويات الوطنية، وربما رضي المواطن الانتقاص من حرياتٍ وحقوقٍ يتمتع بها نفسه، مما يجعل كل الحقوق قابلة للمساومة، وتصبح أهميتها مرتبط بمدى توافقها مع تحقيق المصلحة العليا للجماعة، وتغيب هنا بأن المصلحة الفضلى للوطن لا يمكن تحققها بانتهاك العقد الاجتماعي الذي يشكل اللبنة الرئيسية في بناء المجتمع.

استهدف الإقصاء السياسي في الأردن، مؤخراً، معارضي المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على الإرهاب، بشكل خاص، وأعطى بعضهم الحق بتنصيب أنفسهم لجنة لاختبار الولاء للوطن وتوزيع صكوك الوطنية، والأدهى أن شيطنة وإنكار للآخر يقع تحت ادّعاء أهمية محاربة التطرف والإرهاب اللذين يهددان الأردن، لنجد أنفسنا أمام حالة من الإرهاب الفكري يمارسها هؤلاء ستؤدي بالضرورة إلى خلق بيئة حاضنة للتطرف على أرض الواقع تعتمد الإقصاء منهجاً مقبولاً وطنياً وأخلاقياً، متجاهلين أن الحرب الحقيقية ضد التطرف تتطلب، أساساً، نشر التفكير الحر والناقد، وتنفيذ خطط تنموية تحقق العدالة الاجتماعية.

يتداول الأردنيون بسخرية عبارة "ملوخياتك وعالجسر" لإسكات أي معارض من أصول فلسطينية، إلا أن الاقصائيين اليوم بحاجة لاستخدام تعابير مثل "جميداتك وعالمطار" أو "مكموراتك وعالحدود"، فإقصاء كل من لا يثبت "ولاءه" بات لا يستثني أحداً بغض النظر عن أصله أو دينه، ويجري الاستقطاب والتحشيد للموقف الرسمي على قدمٍ وساقٍ.

ليس من الحكمة تجاهل الأصوات المعارضة أو المحذّرة من أية سياسات حكومية، مهما كان نوعها، لأن الأردن للجميع، ويحتاج إلى أبنائه، على اختلاف توجهاتهم وأفكارهم، وإذا تُرك حكراً لمؤيدي السلطة، فهذا يعني أننا سنضع منظومة وطنية قائمة على النفاق والخوف، لا مكان فيها للتنوع والاختلاف.

وختاماً، نؤكد أن توحيد الأطياف والأفكار والقيم لا يقوي الوطن، ولا يحمي جيوشها ولا أمنها، فالأوطان تكون أقوى بتنوعها وبانتماء ابنائها لا بالنفاق وإظهار الولاءات الزائفة.

 

  • هديل عبد العزيز: ناشطة حقوقية. عضو مؤسس والمديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية.

 

أضف تعليقك