المقاطعة والإحجام: خرائط جديدة

المقاطعة والإحجام: خرائط جديدة
الرابط المختصر

قد يكون للأردن الرسمي مبرراته في توسيع قاعدة المشاركة الانتخابية إلى أكبر حد ممكن، رغم قناعة بعض دوائر صنع القرار بأنه يُدفع بالناس إلى المشاركة الانتخابية في ضوء قانون غير شعبي لم يحظ بالحد الأدنى من التوافق الوطني، وكل ذلك لا يبررعمليات التحريض والتعبئة التي تمارسها الدعاية الرسمية ضد القوى المقاطعة التي تحاول أن تتغافل عن حقيقة أن المقاطعة ممارسة سياسية تعبرعن عافية سياسية تحديدا في المجتمعات التي تشهد عملية انتقال سياسي.السؤال الذي يثير الحساسية في هذا الوقت؛ ألم يقبل النظام السياسي عمليات مقاطعة مارستها قوى سياسية وعلى رأسها الحركة الإسلامية وفي ظروف مشابهة في السابق؟ ثمة مؤشرات محلية وأخرى اقليمية ترتبط بالمنهج الذي تعودنا عليه في حجم تأثير المتغيرات الإقليمية في حسم الملفات السياسية الداخلية، تدل تلك المؤشرات على أن الحركة الإسلامية ستغير من مواقفها المعلنة في نهاية النهار، إما بالذهاب إلى صناديق الاقتراع مباشرة، أو بتغيير شكل المقاطعة بالترشيح غير المباشر وربما المكثف.

المهم في الحالتين أن ثمة تفاهمات ستقود إلى تغيير قواعد العلاقات الناظمة في الصراع على الشارع بين الحركة والحكومة تجعل تلك العلاقات تميل الى الهدوء وتبتعد عن التوتر، وهو ما بدأت ملامحه بالوضوح مؤخرا. وإذا ما أخذنا بهذه الفرضية؛ فلماذا هذه التعبئة ضد فكرة مقاطعة الانتخابات؟ يبدو أن ثمة خشية من إحجام شعبي غير منظم عن المشاركة الانتخابية، أول مؤشراته ضعف الإقبال على الحصول على البطاقات الانتخابية.

هذا الإدراك وصل إلى بعض أطراف المعادلة الرسمية وهو ما يضعف نشوة التغني بالالتفاف على مشروع الإصلاح السياسي الوطني المدعوم بمباركة غربية

. الإحجام سيناريو متوقع وتحديدا في المحافظات، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، وربما سيكون هذا الإحجام أخطر سياسيا من مفهوم المقاطعة السياسية التقليدية، وتلاحظ خلال الأيام الماضية أنماط من التحول في تعبيرات الحراك الشعبي الذي لجأ إلى شكل جديد من الحوارات الداخلية بعيدا عن الشارع، من بينها الموقف من الانتخابات، حيث بادرت سلسلة اجتماعات شعبية مثلما حدث في الطفيلة وعجلون وغيرهما وتجمعات عشائرية إلى إعلان مبكرعن مقاطعة الانتخابات.

حينما تصل المجتمعات الى حالة من الإحجام عن المشاركة السياسية فهذا لا يعبر عن حالة مزاجية يومية، بل عن تحول نوعي لتراكم من الخيبات الممتدة بدءا من سلوك المجالس النيابية التي جاءت في ضوء قانون الصوت الواحد، وما وفرته هذه المجالس من أسباب وظروف لإضعاف الدولة الأردنية، مرورا بفشل الدولة في محاربة الفساد رغم أن الفرصة التي أتيحت ثمينة يصعب تكررها، وصولا الى التحايل على مشروع الإصلاح وإضاعة فرصة بناء دولة ديمقراطية وطنية.هناك إدراك متنام وسط القواعد الشعبية العريضة والنخب الجديدة التي أفرزها الشارع لحالة فقدان الوزن في الحياة العامة، وأن مسار الإصلاح ومكافحة الفساد مرتبك، بينما تتنازع هذا المسار إرادات وأجندات متعددة، معظمها يتعارك على حساب برنامج الإصلاح الوطني الديمقراطي المنشود.

وهذا الإدراك مصحوب بوعي نوعي يتراكم يوما بعد يوم، ويضيف المزيد من الجرأة والقدرة على إحداث الفرق على الأرض؛ فعلتها المحافظات في الجنوب في انتخابات المجلس التشريعي في عهد الإمارة، احتجاجا على التهميش وعلى الاتفاقية الأردنية-البريطانية، وذلك حينما رفض الناخبون في كل من معان والطفيلة الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وهي أول حادثة مقاطعة انتخابية في تاريخ الحياة السياسية الأردنية.

توجد عملية تنميط تقليدية تختصر رؤية المشهد السياسي من زاوية واحدة هي المواقف الحكومية ومواقف الحركة الاسلامية، هذا التنميط يحرم الدولة الأردنية في هذه اللحظة الفارقة من ميزتها التقليدية في القدرة على تقدير الموقف، وسنجد في لحظة ما أن الحسابات اختلفت كثيرا.

الغد

أضف تعليقك