يوم امس ودعت مدينة الفحيص بجنازة مهيبة، المعلم المحترم سلمان فضيان السلمان الذي خدم في سلك التربية والتعليم نحو نصف قرن، كان خلالها المعلم النموذج، والاداري الناجح، التي لا تزال بصماته راسخة في أذهان الطلبة واهالي الفحيص حتى الآن.
في وداع معلم مثابر بوزن أبي زياد، سيرته الطيبة لا تزال على السنة قوافل كثيرة من الطلبة الذين تخرجوا على يديه، نتذكر مناقب المعلمين الذين كانوا يمثلون السلطة الاعتبارية الوحيدة في القرى والارياف، وكانوا ابرز عناوين قادة الرأي في تلك الفترات.
خدم ابو زياد فترة طويلة في مدارس الفحيص الحكومية، وكان مثالا للمعلم الاداري الناجح، حيث لا تزال الذاكرة رغم مرور نحو اربعين عاما، تستنبض بالاعجاب الشديد ذاك الشاب المتحمس، سكرتير مدرسة الفحيص الثانوية للبنين، الذي كانت سطوته في المدرسة ارسخ من المدراء الذين تعاقبوا على ادارتها، وكان حضوره اليومي في المدرسة ساطعا بالعطاء، حتى باتت عباراته تتردد حتى يومنا هذا بين جموع الطلبة الذين مروا في عشريات السنوات الماضية.
كان الاستاذ سلمان صاحب العبارة الشهيرة، في ذهن الطلبة الذين كانت شهاداتهم المدرسية يغمرها اللون الاحمر في خانة الاكمال او حمل المادة، فكان وباجتهاد خاص منه، وبعد ان يفرض على الطالب تقديم امتحان الاكمال في نهاية العام، يكتب على الشهادة الدراسية يرفع الى الصف الثاني اكراما لوالديه.
باعترافات معظمنا، افتقدنا هذه الايام المعلم الذي يرسخ اسمه في الاذهان مثل المعلمين الاوائل، الذين كان دورهم يتجاوز التعليم الى التربية، وحضورهم الفعال في المجتمع المحلي، بحيث يتابعون الطلبة بعد انتهاء اليوم الدراسي، كما كانوا مساهمين في تدعيم التربية والحس الوطني لدى الطلاب، وكانوا يقدمون نماذج في القدوة والخلق الحسن.
قبل اشهر ذهبنا مجموعة اصدقاء في عمر الخمسين، لتقديم واجب التعزية بوفاة زوجة معلم جليل، ومكثنا ما يقارب الساعة في منزله، لم يتجرأ المدخنون منا على اشعال سيجارة أمامه.
اتذكر ما حصل يومها كلما أسمع حديثا عن ممارسات تقع هذه الايام في مدارسنا عندما يطلب معلم سيجارة من طالب، أو سلفة عشرة دنانير، أو (سي دي) من إياهم..، أنا لا أعمم لكن في القلب غصة.
في الذاكرة قلادة ذهبية من المعلمين المتميزين رحم الله من اختاره، والعمر المديد للآخرين، تتلمذنا على أيديهم في مدارس الفحيص الحكومية، لا تزال الذاكرة تختزنهم، وتقدر انتماءهم وعطاءهم، بدءًا من الأساتذة محمود بنات ومحمد غنيم وإلياس غانم ومنصور مصطفى منصور ومحمد أحمد شحادة وفؤاد غطاس وأحمد البداد وحسن سرحان وحسين الخباص، وليس انتهاء بالأساتذة زاهي صويص ومحمد المر وكامل زيادات ومشهور السعايدة وزيد زيادات..
الاربعاء الماضي وفي منتدى الفحيص الثقافي قابلت الاستاذ سلمان السلمان اثناء محاضرة الصديق والسياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبادي، فبادرني بالسؤال "طمني على العرب اليوم" فقلت له "انها عصية على الترويض يا استاذي.."
لنترحم على أبي زياد وأمثاله من المعلمين المتميزين، لعل من ذِكراهم العطرة نستحضر زمن المعلم الجميل.
العرب اليوم