المصالح والدوافع الحقيقية في الانتخابات
يلاحظ ياسر أبوهلالة أن الشعارات الانتخابية المطروحة في الحملات الانتخابية، معظمها يخلو من المضامين السياسية والاقتصادية والاجتماعية المفترض أن تنظم حياة الناس وتؤثر في خياراتهم ومصائرهم، وربما يؤشر ذلك على حيرة الناس والمجموعات والأفراد أكثر مما يؤشر على حيرة المرشحين وارتباكهم.
ما حدث العام 1989 أن الأحزاب والسياسيين والناشطين لم يكونوا قد غادروا العام 1957، وأتذكر في تلك المرحلة أن أحداث ذلك العام وتجربة حكومة النابلسي عام 1956 كانت حديث وموضوع ذكريات معظم إن لم يكن جميع الناشطين والمحللين والخبراء (والمفكرين)، وكل من كان عمره خمس سنوات فما فوق في عام 1956 كانت له تجربة وذكريات رواها لنا، وفي المقابل فإن كل من لم يشارك في أحداث ذلك العام، كان يبدو غير فاعل وغير قادر على المشاركة السياسية والعامة، وما حدث بعد ذلك ليس بسبب قانون الصوت الواحد، ولكن ببساطة اكتشف السياسيون والحزبيون والناشطون أن الناس يعيشون في العام 1989 ولا يمكن إرجاعهم إلى الوراء، الأحزاب جميعها لم تغادر الماضي الجميل، والقضايا الكبرى المقدسة (دينية أو قومية أو اجتماعية)، وفي المقابل فإن الجماهير والمجتمعات المحبطة كانت تبحث عن علاج غامض وسريع وسحري، لم تكن مشتركة مع الأحزاب والجماعات في أفكارها (هل لديها أفكار؟) ولكنها تهرب من واقع جديد وطارئ عليها بعد مرحلة من الانتعاش والتطور الاقتصادي، فقدت الكثير في الأردن والخليج والخصخصة، ولا تريد أن تنسى ما فقدت، ولا هي قادرة على تقبل الواقع الجديد المتشكل، فالمحرك الأساسي للمشاركة لم يكن سوى مزيج من الكراهية والتعصب والآمال الكبرى، والهروب. ورغم مرور عشرين سنة على التحولات الكبرى والجذرية التي عصفت بكل شيء تقريبا، فإن الأغلبية العظمى ما تزال تفضل الهروب، والذكريات.
وبالنسبة للجماعات والأحزاب والمجتمعات ذات القضايا الكبرى (الدين والتحرير والتاريخ) فإنها في إدراكها للمتطلبات الجديدة إنما تعيد صياغة نفسها، وتكييف نفسها مع مرحلة جديدة، تحتاج إلى استقرار، واستقطاب للمثقفين والمهنيين وأصحاب الأعمال والمصالح، ولم تعد بحاجة إلى تحريض الجماهير، ودعوتهم إلى التضحية والكراهية والتعصب والرفض والاحتجاج، ولكنها بحاجة إلى عقلنة برامجها وطموحاتها، وتوضيحها وجعلها مفهومة وقابلة للتطبيق والجدل، أي أنها تتحول إلى نسبية جدلية، وليست حقائق مطلقة وغامضة غير قابلة للرد، هذا الانتقال من المقدس والمطلق (التحرير والمثالية الدينية والاجتماعية) إلى الواقعي والجدلي ليس سهلا أبدا، ويكاد يكون مستحيلا، فالجماهير التي كانت تبحث عن المثال الجميل والمقدس، وتضحي لأجله، لم تكن في الحقيقة تريده بالفعل، ولكنها تهرب من ذاتها، ولا تريد أن تقبل المنطق الصارم والحقائق القاسية، وليس ثمة علاج واقعي وممكن للمحبطين والخاسرين، والخلاص لا يأتي إلا بمعجزات وكرامات!
الدعاة الجدد والبرمجة اللغوية العصبية وبرامج الفضائيات والتدين الكاسح والحقوق المنقوصة والعشيرة والفيديو كليب والكوفي شوب والبورصات ليست سوى رغباتنا نحن، تلخصها مقولة المغني/ الشاعر هات كاس الراح ولا دور لنجومها وأبطالها سوى تلبية رغباتنا ومعرفة ما نريد.
span style=color: #ff0000;الغد/span