المشكلة أنه إصلاح مجتزأ
مع اتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات نهاية العام 2012، سعت الحكومة إلى صرف الدعم النقدي بأسرع وقت ممكن؛ محددة معيارا عاما للحصول على هذا الدعم، يتمثل في أن يقل الدخل السنوي للأسرة عن 10 آلاف دينار.
آنئذ، قالت الحكومة إن قيمة المخصص المالي لبند الدعم النقدي تبلغ 300 مليون دينار، ولتوفر الخزينة في حينه نحو 800 مليون دينار؛ هي قيمة الدعم المباشر (سابقاً) لهذه السلعة الاستراتيجية.
بدأت عملية تقديم الدعم النقدي، وأصبحت المحروقات تباع وفقاً للتكلفة العالمية. فنجحت حكومة د. عبدالله النسور في تمرير القرار، بعكس كثير من الحكومات التي سبقتها، رغم صعوبة الظرف السياسي محليا وإقليميا إبان اتخاذه.
في العام 2013، لم تنفق وزارة المالية كامل مبلغ الدعم النقدي المعلن عنه؛ إذ قدر حجم ما أنفق بما لا يتجاوز 270 مليون دينار. لكن ظلت الحكومة تعتقد أن هذا المبلغ كبير. ولذلك، قامت في العام الحالي بتخفيض حجم المخصص لبند دعم المحروقات، ليصل إلى نحو 210 ملايين دينار، وبتراجع مقداره 60 مليون دينار عن العام السابق.
بحسبة بسيطة، نكتشف أن نحو 171 ألف أسرة ستخرج من دائرة الدعم النقدي، وبعدد أفراد يتجاوز 857 ألف نسمة. وربما يزيد العدد على مليون شخص، بسبب المعايير الجديدة التي أقرتها الحكومة للحصول على الدعم.
تخفيض المبلغ يعني فكرة واحدة فقط؛ هي أن عدد المستفيدين من الدعم سينخفض. إذ ستخرج عائلات كثيرة من الدائرة، بمن فيهم المغتربون غير المقيمين على أرض المملكة، إضافة إلى أسر من ذات الدخل المحدود، تملك أصولا ثابتة تزيد قيمتها على ربع مليون دينار.
حرمان هذا العدد من الدعم، يُقرأ باتجاهين. القراءة الأولى، أن الحكومة في بداية تطبيق المبدأ، لم تدقق في الطلبات، ولم تدرس المعايير بشكل عميق، ما جعلها تعطي الدعم لمن لا يستحقه، بحسب ما يقول المسؤولون. وهذا صحيح في بعض الحالات، لكنه لا ينطبق على الأفراد المليون الذين سيُحرمون نعمة الدعم النقدي.
أما القراءة الثانية، فتتمثل في أن الحكومة سعت إلى تقليص أهم بند في موازنتها العامة بالنظر إلى أثره في تخفيف الاحتقان الاجتماعي. وكان القرار سيبدو مبررا لو حرمت من لا يستحق من الدعم فقط، وسعت إلى زيادة قيمة المبالغ المقدمة للأسر المستحقة التي دفعت ثمنا باهظا لقرار تحرير أسعار المحروقات، ولم تبدأ معاناتها المالية بارتفاع هذه الأسعار، بل قبل ذلك بكثير.
المنطق والحرص على الأمن الاجتماعي والاقتصادي، يفرضان أن تبادر الحكومة إلى توسيع شبكة الأمان الاجتماعي لا تقليصها، خصوصاً أنها ما تزال تتبنى مبدأ تخلي الدولة عن سياسات الدعم المالي المباشر للسلع والخدمات.
التخفيض جاء استجابة لبرنامج التصحيح الاقتصادي الموقع مع صندوق النقد الدولي، والذي تضمن التزاماً حكومياً بتخفيض قيمة الدعم النقدي للمحروقات، الأمر الذي دفع الحكومة إلى مراجعة معايير وأسس منح الدعم، الذي يبلغ حوالي 70 ديناراً للشخص الواحد.
لا يختلف اثنان على ضرورة توجيه الدعم لمن يستحقه. بيد أن المشكلة تكمن في ترتيب الأولويات. وطالما أن الحكومة مهتمة بتقليص الإنفاق على الدعم، فهل لها أن تخبرنا ما هي خططها لتقليص الإنفاق على بنود أخرى؛ هذا إن توفرت لديها الرؤية بهذا الشأن؟!
المشكلة أن الإصلاح مجتزأ وعشوائي. فالدعم النقدي ليس التشوه الوحيد في الموازنة العامة، والتخلص منه ليس القرار الوحيد الذي اتخذته الحكومة وكان مضرا بحياة الناس.
الغد