المسْخ
بغض النظر عن إنفاذ قرار البرلمان الأردني بمنح أعضائه رواتب تقاعدية مدى الحياة أو إمكان إبطاله، فإن وظيفة مجلسي النوّاب والأعيان لا تتعدى كونهما أدوات للسيطرة والضبط الاجتماعي بما يخالف القانون ويشوّه المجتمع.
خلال العقديّن الماضيين؛ تغيّر قانون الانتخاب بما يسمح للتدخل المباشر وغير المباشر في اختيار النوّاب، والتعامل معهم بوصفهم موزعي خدمات (مقاعد جامعية؛ وظائف، أعطيات.. الخ) في دوائر انتخابهم مقابل تنازلهم عن دورهم في الرقابة والتنشريع بما يكفل تطوير المجتمع والنظام بضرورة الحال.
النواب الذين يمررون جميع ما تحتاجه السلطة من قوانين، وآخرها التعديلات الدستورية، ينالون ترضيات لقاء ذلك، وأساتذة الجامعات الموالين يشغلون المناصب الإدارية في كلياتهم ومقاعد الوزارة والأعيان بقدر ضبطهم للطلبة وأنشطتهم، لا وفق كفاءاتهم وجدارتهم.
ويدير الإعلام – في أغلب مؤسساته- مجموعة من الأميين والظلاميين يحرضون ضد كل قيم التنوير والتقدم، ويعادون مواطنين بسبب مظهر وأفكار وطقوس لا تعجبهم، ولا يحاسِبهم أحد على أخطائهم المهنية الفادحة، وارتزاقهم لأطراف داخلية وخارجية، طالما يقومون بضبط الرأي العام عند كل أزمة أو هزة يتعرض إليها الحكْم.
أزمات تفضح تفكير النخبة الحاكمة، إذ يُفرَج مثلاً عن منظّر السلفية الجهادية محمد المقدسي لمواجهة مؤيدي داعش في المملكة، فقط لأنه لا يعتقد بأن المرحلة الحالية مناسبة لإعلان الخلافة وضمّ الأردن إليها، فيما تتطابق بقية أفكاره مع كل ما تدعو إليه الدولة الإسلامية في العراق والشام.
ولا يتساءل صاحب القرار عن أساس التطرف الديني الذي تغذيه مدارسنا، فما يهمه هو أن التعليم يشكّل منظومة متكاملة للسيطرة عبر تخريج أجيال هشة؛ معرفياً وأخلاقياً، ولا تؤمن بالدولة والقانون، إنما تنخرط في أجهزة الدولة لاعتبارات مصلحية ومنافع شخصية.
مجتمع ينقسم إلى مجموعة فئات معزولة فيما بينها: رجال أعمال، إعلاميون، رجال دين، قضاة، وجهاء عشائر، مثقفون..، وتحدد فعالية كل فئة وفق قدراتها للسيطرة على قواعدها، بينما يقوم النظام في الوقت نفسه بإعاقة تنظيم النقابات والأحزاب والجمعيات الأهلية ما لم تتحول هذه الجهات إلى مجرد كوابح لحركة الأفراد والجماعات المنضوين تحتها.
يغيب القانون وكذلك آليات الرقابة، ويحلّ محلهما الولاء الذي يصبح المُنظِّم الرئيس لسلوك الطامعين بالسلطة، أو الخائفين منها لا يرومون إلاّ رضاها وكفّ شرّها عنهم، وبذلك تتسع قاعدتها في الأمن والجهاز البيروقراطي والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني..
خيبة أمل لا توصف بعد ستة أو سبعة عقود على تأسيس الدولة ولا نجد أبناءها قد تحولوا إلى مواطنين، ولا يمتلكون الحرية لإقامة تنظيماتهم المستقلة، التي من شأنها تحسين واقعهم، بدلاً من تحول فائض غضبهم إلى انفجارات اجتماعية تتجلى بارتفاع نسب الجريمة والعنف والتفكك الأسري واللقطاء والأمراض النفسية وغيرها.
"غضب" لا يُصلح الواقع الذي يحوّلنا إلى مخلوقات شائهة نجتمع على هيئة مسخ اسمه النظام.
- كاتب وصحافي. محرر "تكوين" في عمان نت.