المرأة والرجل: فصل تعسفي
أثارت النّدوة النّوعيّة التي أقيمت في اتّحاد المرأة الأردنية الأسبوع الماضي، والتي قدّمها الشاعر والكاتب (نوري الجرّاح) تحت عنوان "المذكّر والمؤنّث ورجولة المثقّف العربي" جدلاً واسعاً مع الجمهور الذي حضرها. هنا أحب أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض النّوافذ التي فتحتها النّدوة، والتي قد لا تتّصل بالحيثيات الواردة فيها، بقدر ما تتّصل بهذا النوع المهم من الدراسات، وأعني به الدراسات النسوية.
لنعترف بدايةً أنّ هذه الدراسات، هي نوع جديد نسبيّاً في العالم العربي، وقد ظهر إلى حيّز الوجود خلال العقود الثلاثة الأخيرة، كما أنّ ظهوره برز كصدى لتلك الدراسات التي عُرِفَت في الغرب، والتي أنتجتها ممثّلات النّسوية الأوروبية والأميركية، وبالتّالي فقد كان التّقليد هو السّمة البارزة في هذه الدراسات.
من جهة أخرى، فأنا أرى أنّ الحركة النسوية العربية، ما تزال غير قادرة حتى الآن على تقديم مخطط واضح وتصوّرات حقيقية، تتبنى قضايا المرأة العربية، وتعمل على إنجازها. طبعاً هناك أسباب موضوعيّة تحول دون هذه القدرة، ولعلّ ارتباط هذه الحركة (نسبة كبيرة منها) بأجندة التمويل الأجنبي هو السّبب الرئيس هنا. إنّ مثل هذا الارتباط يجعل كلّ الجهود المبذولة في هذا المضمار خاضعةً لإملاءات الجهات المموِّلة، وبخاصّة على صعيد القضايا المطروحة، من مثل: تمكين المرأة، حريّات المرأة المسلوبة، المساواة بين الرجل والمرأة، المرأة والأمومة...إلخ.
أنتَ حين تسأل عن موضوع جارح من مثل علاقة المرأة بالاحتلال، وتريد أن تدرس أبعاد تلك المأساة التي تعيشها المرأتان الفلسطينية والعراقية، تحت الاحتلالين الصهيوني والأميركي لا تجد أحداً يموّلك! عندها ستتحسّس المشكلة جيّداً فتعرف أنّ الموضوع برمّته له ارتباطات مشبوهة. أمّا الذي سيفاقم هذا الشعور حدّةً، فيتمثّل بنبرة العداء الطاغية، عند عدد لا بأس به من رموز الحركة النسوية ضدّ الرّجل. هناك موقف عدائي من الدين، وليس من التأويلات الدينية. هناك أيضاً بعض المطالب الغريبة مثل حقّ المرأة في عدم إنجاب الأطفال!
إنّ مثل هذه الحالات والأهداف لا تجعل من الحركة النسوية العربية حركة مقلّدة للحركات الغربية، وإنّما حركة تابعة، ولمن؟ للنموذج الأسوأ المتمثّل بالجانب المتوحّش من النسويات الغربية.
إذا ما عاينّا المهامّ التي تقوم بها الحركة النسويّة، سنجد أنّها تتّكئ على جهود المرأة وحدها دون الرّجل. إنّها في أغلب الأحيان لا تحاول أن تستفيد مما يمكن أن يقدّمه الرّجال، خصوصا ذلك الطراز المساند لحقوق المرأة وقضاياها. بمعنى آخر يمكن القول إنّ تلك الحركة هي حركة مرتبطة بنخبة معيّنة من النّساء، ولا تُشكّل تيّاراً جماهيريّاً عريضاً، وهكذا فإنّ ما تسعى لتحقيقه سيكون بالضرورة بعيداً وصعب المنال.
إنّ الفصل المتعسّف بين كلٍّ من المرأة والرّجل، سوف لن يقود إلا إلى مزيد من هدر حقوق المرأة، وإنّ الأمر يتطلّب منهما أن ينخرطا معاً في النضال المشترَك ضدّ أنواع الاحتلال والقمع والقهر. ربّما تكون المقاومة هي أحد أهم عناوين هذا النّضال، ولكن شرط أن تتسع هذه المقاومة للإنسان الحرّ، رجلاً كان أو امرأة.
طبعاً ما ورد في المقالة لا يمكن أن يأخذ طابع التعميم، فثمّة كتّاب نِسويّون، وكاتبات نِسويّات غير خاضعين لأيّة أجندات، ويكتبون دراساتهم بجرأة لافتة، وهؤلاء يمكن أن نعوّل عليهم في تشكيل تيارات نسوية عربية تنتمي إلى إنسان هذه المنطقة من العالم.