المحكمة الدستورية الأردنية تفسر الدستور الجديد من دون النظر في نصه

المحكمة الدستورية الأردنية تفسر الدستور الجديد من دون النظر في نصه
الرابط المختصر

في ردها على تساؤل مجلس الأعيان المتضمن طلب تفسير المادة 23/ 2 والمادة 120 من الدستور لبيان ما إذا كان هذان النصان يجيزان للموظفين في أي وزارة أو دائرة أو هيئة أو مؤسسة حكومية أن ينشئوا نقابة خاصة لهم وهم موظفون تابعون لنظام الخدمة المدنية ولا يوجد لوظائفهم مثيل في القطاع الخاص خارج إطار الحكومة، أجابت المحكمة الدستورية بقرارها الصادر في 24 تموز 2013 " أنه يجوز للموظفين في أي وزارة أو دائرة أو هيئة أو مؤسسة حكومية أن ينشئوا نقابة خاصة لهم حتى وان كانوا من الموظفين التابعين لنظام الخدمة المدنية وبغض النظر عما إذا كان لهم مثيل في القطاع الخاص خارج إطار الحكومة أم لا على أن يتم ذلك بموجب تشريع أو تشريعات تصدر لهذه الغاية وفقاً لما تراه السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الاصيل في التشريع".

وكان مجلس الأعيان قرر في نيسان 2013 أن يطلب من المحكمة الدستورية تفسيراً حول مدى إمكانية إنشاء نقابة للأئمة والوعاظ قبل الشروع في مناقشة مشروع قانون الأئمة والعاملين في الأوقاف الإسلامية.

وللتوضيح تنص المادة 23/2 على "تحمي الدولة العمل وتضع له تشريعاً يقوم على المبادئ الآتية: ... و- تنظيم نقابي حر ضمن حدود القانون." والمادة 120 جاءت فيها "التقسيمات الادارية في المملكة الاردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها واسماؤها ومنهاج ادارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك."

الملفت للنظر أن المحكمة الدستورية ومجلس الأعيان لم يتطرقا إلى نص المادة 16/2 من الدستور بالرغم من أهميتها وعلاقتها بتساؤل مجلس الأعيان بشكل مباشر؛ إذ نصت "للأردنيين حق تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف احكام الدستور". وتؤكد المادة 16/3 أن دور القانون بهذا الخصوص هو للتنظيم وليس للإنشاء بقولها "ينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والنقابات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها".

وما تجدر الإشارة إليه إلى أن كلمة "النقابات" أضيفت إلى المادة 16 في التعديلات الدستورية الأخيرة التي تمت في العام 2011، وبذلك يكون الدستور الأردني قد أشار إلى النقابات في موضعين مختلفين؛ الأول عند الحديث عن الحقوق السياسية وأعطاها نفس المعاملة الخاصة بالأحزاب والجمعيات، والثاني في إطار الحقوق الاقتصادية عند تنظيمه للحق في العمل.

الازدواجية السابقة لها ما يبررها بسبب الأحداث المختلفة التي مرت بها الأردن والهزيمة ونكسة 1967 التي أسفر عنها إعلان الأحكام العرفية في الأردن وتعطيل الحياة البرلمانية وحظر الأحزاب السياسية. لذلك تحولت النقابات إلى مكان لتفريغ طاقة الأحزاب المختلفة بطرق مباشرة وغير مباشرة، وبالتالي اكتست النقابات بالطابع السياسي وتحولت الى مكان لنشر مبادئ الأحزاب المختلفة ووسيلة لإظهار شعبيتها.

كما نجد خصوصية أخرى لموضوع النقابات في الأردن وهي طريقة الإنشاء؛ حيث تشكلت بطرق متعددة وخضعت لنظم قانونية مختلفة. ومن الناحية العملية، تقسم هذه النقابات إلى قسمين، وهما:

النقابات المهنية

وهي من أكبر مؤسسات المجتمع المدني، وتضم في الوقت الحالي (15) نقابة مهنية، ويمكن تصنيفها بحسب طريقة إنشائها على النحو التالي:

أولا: نقابات منشأة بموجب قانون صادر عن السلطة التشريعية، وهي: الأطباء، أطباء أسنان، المحامين، الصيادلة، المهندسين، المهندسين الزراعيين، الصحفيين، الممرضين والممرضات، المقاولين، الفنانين، الأطباء البيطريين، الجيولوجيين والمعلمين.

ثانيا: نقابة منشئة بموجب نظام صادر عن مجلس الوزراء، وهي جمعية مدققي الحسابات. فسنداً لأحكام قانون تنظيم مهنة المحاسبة القانونية رقم 73 لسنة 2003 تنشأ جمعية تسمى جمعية المحاسبين القانونيين الأردنيين تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي واداري، وسندا لأحكام المادة 45/ب من هذا القانون صدر النظام الداخلي لجمعية المحاسبين القانونيين الاردنيين يُبين طريقة إنشائها، العضوية، أهدافها وكل ما يتعلق بإدارتها.

ثالثاً: نقابة مشكلة على شكل جمعية غير حكومية وهي رابطة الكتاب الأردنيين. أنشئت هذه الرابطة وسجلت في العام 1974 بحسب قانون الجمعيات باعتبارها منظمة غير حكومية وغير ربحية، لتحقيق مجموعة من الأهداف، من أهمها؛ تنشيط الحركة الفكرية والأدبية، توفير الظروف الملائمة لنمو الطاقات للكاتب الأردني، تعزيز الصلات بين الأدباء الأردنيين ونشر الإنتاج الأدبي والفكري. وبالرغم من نشأتها على شكل جمعية، إلا أنه تم الموافقة على أن تكون الرابطة عضوا في الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب. في العام 1987، تم حل الرابطة بقرار من الحاكم العسكري في ظل صلاحياته بموجب إعلان الأحكام العرفية، لكن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب استمر في اعتبارها عضواً فيه. عادت الرابطة لمزاولة أعمالها بعد إلغاء الأحكام العرفية في العام 1989.

وتنشط هذه النقابات في مجال تطوير المهن التي تمثلها والارتقاء بمستوى الأداء المهني للمنتسبين إليها، ولها مجموعة من اللجان العاملة، من أهمها:

- لجنة مقاومة التطبيع النقابية التي تعمل على منع التوسع الصهيوني في الأردن بعد توقيع معاهدة وادي عربة.

- لجنة فلسطين: التي تركز اهتمامها على دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

- لجنة الحريات التي تهتم بمراقبة الحريات العامة وحقوق الإنسان ، وتضم ممثلين من معظم النقابات ، وتستقبل اللجنة الشكاوى من أعضائها ومن العامة من الناس وترفعها إلى السلطات الحكومية المختصة ، كما تقدم الدعم القانوني والتغطية الإعلامية لهذه الحالات ، وتنسق مع المنظمات والهيئات التي تهتم بهذه القضايا في الأردن.

النقابات العمالية:

تعود نشأة النقابات العمالية إلى الثلاثينات من القرن المنصرم بعد أن بدأت مجموعة من المطالبات بهذا الخصوص من قبل نشطاء سياسيين وعملت بشكل سري إلى تم إقرار الدستور الحالي في العام 1952، وتبع ذلك صدور قانون النقابات رقم (35) لسنة 1952، والذي أتاح للعمال حق التنظيم النقابي وتشكل الاتحاد العام لنقابات العمال في العام 1954[1].

في الوقت الحالي تخضع النقابات العمالية لأحكام قانون العمل رقم 8 لسنة 1996، وبما أن قانون العمل قد استثنى الموظفين العامين وموظفي البلديات من نطاق أحكامه، فإنه لا يحق لهم إنشاء نقابات عمالية، وكذلك الأمر بالنسبة لعمال الزراعة والعاملون في المنازل وطهاتها وبستانييها ومن في حكمهم[2].

في الوقت الحالي يوجد 17 نقابة عمالية، وهي: النقابة العامة للعاملين في النقل البري والميكانيك، النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين، النقابة العامة للعاملين في الكهرباء،النقابة العامة للعاملين في البترول والكيماويات، النقابة العامة للعاملين في البناء، النقابة العامة للعاملين في الصناعات الغذائية، النقابة العامة للعاملين في التعليم الخاص، النقابة العامة للعاملين في الغزل والنسيج والألبسة، النقابة العامة للعاملين في الموانئ البحرية والتخليص، النقابة العامة للعاملين في المصارف والمحاسبة والتأمين، النقابة العامة للعاملين في النقل الجوي والسياحة، النقابة العامة للعاملين في الخدمات العامة والمهن الحرة، النقابة العامة للعاملين في المحلات التجارية، النقابة العامة للعاملين في الطباعة والتصوير والنشر، النقابة العامة للعاملين في الخدمات الصحية، النقابة العامة للعاملين في السكك الحديدية، النقابة العامة للعاملين في البلديات (من غير الموظفين الحكوميين).

وتُشكل النقابات العمالية الاتحاد العام لنقابات العمال وتكون له شخصية اعتبارية وتحتفظ فيه كل نقابة بحقوقها الخاصة وذلك عملا بأحكام المادة 110 من قانون العمل، وسندا لأحكام المادة 5 من النظام الداخلي للاتحاد فان من مهامه تحقيق حياة أفضل للعمال ورفع مستوى معيشتهم وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية ورفع الكفاءة الإنتاجية إلى جانب دعم النهج الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات النقابية. وبحسب المادة 6 من هذا النظام يتكون الاتحاد من مجموع النقابات المنضمة لعضويته، وعلى كل نقابة عمالية الانضمام للاتحاد ويشترط لذلك أن تكون مسجلة وفقا للقانون وألا يتعارض النظام الداخلي للنقابة مع أحكام نظام الاتحاد.

يلاحظ على قانون العمل الحالي أنه يترك المجال للسلطة التنفيذية المتمثلة بوزارة العمل في السيطرة على هذه النقابات، ويظهر ذلك جليا في النواحي التالية:

أ- الوزارة هي التي تقوم بتصنيف المهن والصناعات التي يجوز فيها تأسيس نقابات من خلال توصية تتقدم بها لجنة ثلاثية تتشكل برئاسة الوزير وعضوية ممثلين عن الوزارة والعمال واصحاب العمل بالتساوي، ثم للوزير أن يصدر قرارا بهذا الخصوص وذلك بحسب المادة 98 من قانون العمل.[3]

ب- يقدم طلب تسجيل أي نقابة او نقابة لأصحاب العمل الى مسجل النقابات ونقابات اصحاب العمل في الوزارة. ويترتب على المسجل ان يصدر قراره بشأن طلب تسجيل اي نقابة أو نقابة اصحاب العمل خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوماً وإذا قرر رفض الطلب فللمؤسسين الطعن في قراره لدى محكمة العدل العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغ القرار سندا لأحكام المادة 102 من قانون العمل.

ج- فرض القانون مجموعة من القيود على حل هذه النقابات التي تتمثل بضرورة مخالفة أحكام قانون أو إذا تضمن النظام الداخلي مخالفة للتشريعات النافذة، فيتولى الوزير توجيه إنذار خطي لها بإزالة المخالفة خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغها وفي حال استمرار المخالفة للوزير إصدار قرار بحل النقابة أو نقابة أصحاب العمل أو الهيئة الإدارية لأي منها، ويكون القرار قابلاً للطعن لدى محكمة العدل العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تبليغه وذلك سندا لأحكام المادة 116 من قانون العمل.

القيود السابقة منعت العديد من العمال من حق تشكيل النقابات العمالية، إلا ان المطالبات الشعبية بالإصلاح شجّعت العمال على الاحتجاج على القانون الحالي من خلال تشكيل اتحاد النقابات العمالية المستقلة في الأول من أيار 2011، يوم عيد العمال في الاردن، الذي ضم في حينه ست نقابات لم يتم الموافقة على تسجيلها من قبل وزارة العمل،  وهي: نقابة الكهرباء، الفوسفات، المطابع، العاملين في البلديات، العاملين في الصناعات الدوائية ونقابة عمال الزراعة  بهدف العمل من أجل تعديل التشريعات المتصلة بالعمال، بما ينسجم مع المعايير والمواثيق الدولية التي صادقت عليها الأردن. هذا وقد سبق للمفكرة القانونية أن حاورت رئيس اتحاد النقابات المستقلة، عزام صمادي. وبحسب التقارير من المواقع الإخبارية، فان الاتحاد يضم 10 نقابات مستقلة غير معترف بها من وزارة العمل حتى نيسان 2013.

ويعلن الاتحاد أن حرية التنظيم النقابي ضرورة، وأن النقابات العمالية المستقلة شرعية، وإن إنشائها جاء وفقا لنصوص الدستور الأردني والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن، وينسجم مع مبادئ حرية التنظيم النقابي المعترف فيها عالمياً.

التعقيدات السابقة تركت أثرها عندما طالب المعلمون بإنشاء نقابة لهم بموجب القانون في العام 1994، فقام مجلس الأعيان بتوجيه سؤال للمجلس العالي لتفسير الدستور، الهيئة المختصة بتفسير الدستور قبل إنشاء المحكمة الدستورية، لمعرفة فيما اذا كانت أحكام الدستور تجيز اصدار قانون نقابة للمعلمين الموظفين العموميين من معلمي وزارة التربية والتعليم وكانت إجابته بالرفض على اعتبار أن المادة 120 من الدستور الاردني قد حصرت حق التشريع في المسائل المتعلقة بالموظفين العموميين من تعيينهم والاشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصهم بمجلس الوزراء بموجب أنظمة يصدرها بموافقة الملك.

وبسبب القرار السابق، تكون انطباع عام أن الموظف الحكومي لا يملك حق الانضمام إلى النقابات، بالرغم من أن جميع الموظفين وأفراد الجيش والشرطة هم أعضاء في النقابات المهنية المنشأة بموجب قانون مثل نقابة الأطباء، المهندسين، البيطريين وغيرها من النقابات المهنية المنشأة بموجب قانون صادر عن السلطة التشريعية.

القرار لم يمنع معلمي وزارة التربية والتعليم من الاستمرار بالمطالبة في الحصول على نقابة لهم، وتصاعدت هذه المطالبة لتصبح اعتصاما شمل معظم مدارس المملكة في العام 2011، الأمر الذي أجبر الحكومة على إعداد مشروع قانون لنقابة المعلمين وعرضه على مجلس الأمة.

مجلس النواب بدوره قام بتوجيه سؤال للمجلس العالي لتفسير الدستور عند دراسته لمشروع قانون النقابة، لكن بصيغة مختلفة، وهي "هل تجيز أحكام الدستور تشكيل نقابة للمعلمين العاملين بمهنة التعليم، بقطاعاتها المختلفة، على غرار نقابات الأطباء، والمهندسين، وأطباء الأسنان، والصيادلة، والمهندسين الزراعيين، وذلك في ضوء أحكام المادة (23) من الدستور. إجابة المجلس العالي هذه المرة كانت مختلفة؛ إذ أشار في قراره الصادر بتاريخ 24 آذار 2011 "ان المعنى اللغوي لكلمة (العمل) الواردة في الدستور هو (المهنة ، والفعل) كما ان المهنة هي التي يحتاج صاحبها لخبرة ومهارة وحذق لممارستها ، وينبني على هذا أن كلمة العمل الواردة في المادة (23) من الدستور تشمل العمل الذي يمارسه جميع العاملين بمهنة التربية والتعليم بقطاعاتها المختلفة، خاصة وأن مهنة التعليم ورسالته رافد وشكل من روافد وأشكال العمل الذي يسهم في توجيه الاقتصاد الوطني والارتقاء به على غرار العمل الذي يمارسه الأطباء والمهندسون وأطباء الأسنان والصيادلة والمهندسون الزراعيون، من حيث اسهامه في بناء الاقتصاد الوطني، ولكل من هؤلاء حاليا، تنظيم نقابي ضمن حدود القانون، مع الاشارة الى ان جواز اصدار قانون بانشاء نقابة للمعلمين، لا يتعارض مع وجوب وحتمية بقائهم خاضعين للتشريعات النافذة ذات العلاقة. اما ما ذهب اليه القرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (1) لسنة 1994، فقد انحصر ذلك التفسير بالحكم المستفاد من المادة (120) من الدستور، بينما استند تفسيرنا الحالي لحكم المادة (23) من الدستور. وتأسيسا على ما بيناه، فان احكام المادة (23) من الدستور تجيز تشكيل نقابة للمعلمين العاملين بمهنة التعليم بقطاعاتها المختلفة على غرار نقابات الاطباء والمهندسين وأطباء الاسنان والصيادلة والمهندسين الزراعيين وغيرها من النقابات.

ثم جاء قرار المحكمة الدستورية، ليضيف إلى ما سبق ذكره، بأنه يحق لكل موظفي الدولة تشكيل النقابات من خلال تشريع أو تشريعات صادرة عن السلطة التشريعية. وهذا التفسير يطرح العديد من التساؤلات، منها هل يفترض أن يصدر قانون خاص لكل فئة من موظفي الدولة ترغب بإنشاء نقابة ولا يوجد لوظائفهم مثيل في القطاع الخاص؟ أم هل من المناسب إصدار قانون واحد ينظم إنشاء كافة النقابات كما هي الحال بالنسبة للجمعيات والأحزاب السياسية؟ وهل سيشمل هذا القانون النقابات العمالية أم ستبقى خاضعة لسيطرة وزارة العمل؟ كيف سيتم التوفيق ما بين نص المادة 23 من الدستور التي كفلت "تنظيم نقابي حر في حدود القانون" والمادة 16 التي أعطت للأردنيين حق تأليف النقابات وحصرت دور القانون بتنظيم طريقة التأليف ومراقبة مواردها المالية؟ هل هناك تعارض بين حكم المحكمة الدستورية ونص المادة 16؟ وأخيرا هل نفهم ان المحكمة الدستورية تجيب فقط على استفسارات الجهات المعنية في حدود النصوص المشار إليها من قبلهم أم كان يتوجب عليها أن تقدم إجابتها في ظل جميع الأحكام الدستورية المتعلقة بالاستفسار المعني حتى لو لم يتم الإشارة إليها من قبل الجهة السائلة؟

قرار المحكمة الدستورية لاقى قبولا من منظمات المجتمع المدني، لكنه في الواقع يُشكل خطورة على الحق بإنشاء النقابات عندما ربط وجودها بضرورة وجود قانون برلماني. أي كأننا نقول بضرورة صدور قانون عن البرلمان لإنشاء حزب سياسي أو جمعية غير حكومية.

ويجدر التذكير بأن هناك مجموعة من الالتزامات التي ترتبت على عاتق الأردن فيما يتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام، وحقوق العمال بشكل خاص، ويجب تنفيذ هذه الالتزامات بحسن نية سنداً لأحكام المادة (26) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات، وعدم جواز الاحتجاج بنصوص القانون الداخلي كمبرر لعدم تنفيذ المعاهدة[4]. فعلى سبيل المثال انضمت الأردن إلى العهدين الدوليين في عام 1976 وقام بنشرهما في الجريدة الرسمية سنة 2006. كما أن الأردن ملزم بإعلان منظمه العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل لسنة 1998الذي يلزم الدول الأعضاء، المصدقة أو التي لم تصدق بعد على الاتفاقيات ذات الصلة، باحترام وتعزيز المبادئ والحقوق المبينة في أربع فئات هي: حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بحق المفاوضة الجماعية، والقضاء على السخرة أو العمل القسري، وإلغاء عمل الأطفال والقضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة من خلال اتخاذ الإجراءات الدستورية اللازمة لتفعيل هذه الحقوق على الصعيد الوطني[5]. كما وقع الأردن على 24 اتفاقية عمل دولية نشر منها في الجريدة الرسمية 14 اتفاقية فقط[6]. وسندا للاتفاقيات السابقة، فانه يحظر على الدولة أن تقوم بفرض قيود على تشكيل النقابات غير القيود التي تنص عليها قواعد منظمة العمل الدولية. وبحسب المعايير الخاصة بقانون العمل الدولي فان هناك ضمانات في مجال تشكيل النقابات نصت عليها الاتفاقيات المتعلقة بالحرية النقابية، وهي: عدم الحاجة إلى ترخيص وعدم جواز تقييد الاعتراف بالشخصية الاعتبارية للنقابات، النصوص القانونية تأتي لتنظيم تكوين النقابات لا أن تكون مصدراً لوجودها. كما تعطي الاتفاقيات الدولية العمال وأصحاب العمل والمهنيين والموظفين العامين الحق في أن يشكلوا أكثر من نقابة واحدة، حتى لو تعلق الأمر بأشخاص من نفس المهنة أو الإقليم أو محل العمل، كما أن لهم الحق في أن يشكلوا إتحادا أو أكثر يضم أكثر من نقابة. لذلك يتضح بشكل جلي أن قانون العمل الأردني والممارسات الأخرى التي تم اتباعها من أجل إنشاء النقابات المهنية الأخرى لا تتفق مع المعايير الدولية. كما لا يجوز للسلطة الإدارية حل منظمات العمال ومنظمات أصحاب العمل أو وقف نشاطها، في حين أن القانون الحالي منح هذه الصلاحية لوزير العمل، وكان من الأولى منح هذه الصلاحية للقضاء بناء على شكوى تقدم من السلطة التنفيذية وذلك بحسب ما ذهبت إليه لجنة حرية التنظيم (The Committee on Freedom of Association)[7] في العديد من قراراتها[8].

[1]حول هذا الموضوع، أنظر أحمد عوض، الحركة العمالية الأردنية والتحديات الاجتماعية، دراسة مقدمة إلى منظمة العمل الدولية، مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، نيسان 2008
[2]نصت المادة 3 من قانون العمل على "أ-مع مراعاة احكام الفقرة (ب) من هذه المادة ، تطبق احكام هذا القانون على جميع العمال واصحاب العمل باستثناء الموظفين العامين وموظفي البلديات ب- تحدد الاحكام التي يخضع اليها عمال الزراعة والعاملون في المنازل وطهاتها وبستانييها ومن في حكمهم بمقتضى نظام يصدر لهذه الغاية على ان يتضمن هذا النظام تنظيم عقود عملهم واوقات العمل والراحة والتفتيش واي امور اخرى تتعلق باستخدامهم
[3]وسندا لأحكام المادة 98 من  قانون العمل صدر قرار عن وزير العمل في في 28/7/2008 بخصوص تصنيف المهن الصناعات التي يحق لعمالها تأسيس نقابات لهم، لمزيد من التفاصيل يمكن الإطلاع على القرار من خلال الرابط التالي:

[http://www.mol.gov.jo/Default.aspx?tabid=170]
[4]مع مراعاة نص المادة (46) من اتفاقية فينا لقانون المعاهدات التي جاء فيها "ليس للدولة ان تحتج بأن التعبير عن رضاها بالالتزام بالمعاهدة قد تم بالمخالفة لحكم في قانونها الداخلي يتعلق بالاختصاص بعقد المعاهدات كسبب لإبطال هذا الرضا إلا إذا كانت المخالفة بينة وتعلقت بقاعدة أساسية من قواعد القانون الداخلي".
[5]تجدر الإشارة إلى ان هذا الإعلان تعرض للانتقاد من قبل البعض بقولهم ان إلزام الدول بالحقوق الأساسية حتى لو لم يتم المصادقة على الاتفاقيات المعنية يعني ان بعض الدول قد تلتزم بظاهر الحق دون ان تكون ملزمة بالتفاصيل الواردة في الاتفاقيات المعنية الذي نظمته[5]. كما يرى البعض الآخر ان الإعلان عبارة عن خطوة للخلف اختزلت أكثر من 200 اتفاقية متعلقة بقانون العمل الدولي وتشكل انتصارا لليبرالية الجديدة المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة من المصالح الاقتصادية نتج عنه خطر حقيقي على نظام قانون العمل الدولي وتهميش المبادئ القائمة عليها منظمة العمل الدولية

Philip Alston’s recently published ‘“Core Labour Standards” and the Transformation of the International Labour Rights Regime, European Journal of International Law, 2004, Vol. 15, No. 3, p 495.
[6]وهي: الاتفاقية رقم 29 لعام 1930 بشأن السخرة أو العمل الجبري، الاتفاقية رقم 81 لعام 1947 بشأن تفتيش العمل في الصناعة والتجارة، الاتفاقية رقم 98 لعام 1949 بشأن تطبيق مبادئ حق التنظيم والمفاوضة الجماعية، الاتفاقية رقم 100 لعام 1951 بشأن تساوي أجور العمال والعاملات عند تساوي العمل، الاتفاقية رقم 111 لعام 1958 بشأن التمييز فيما يخص الاستخدام في المهن، الاتفاقية رقم 116 لعام 1961 بشأن المراجعة الجزائية للاتفاقيات التي بناها المؤتمر العام في دوراته السابقة بقصد توحيد النصوص الخاصة بإعداد مجلس الإدارة للتقارير عن سير الاتفاقيات، الاتفاقية رقم 118 لعام 1962 بشأن المساواة في المعاملة بين الوطنيين وغير الوطنيين في الضمان الاجتماعي، الاتفاقية رقم 119 لعام 1963 بشأن الوقاية من الآلات، الاتفاقية رقم 120 لعام 1963 بشأن الشروط الصحية في المنشآت التجارية والمكاتب، الاتفاقية رقم 122 لعام 1964 بشأن سياسة الاستخدام، الاتفاقية رقم 123 لعام 1965 بشأن السن الأدنى للقبول في العمل تحت الأرض بالمناجم، الاتفاقية رقم 124 لعام 1965 بشأن الفحص الطبي الخاص بلياقة الأحداث للعمل تحت الأرض بالمناجم، الاتفاقية رقم 138 لعام 1973 بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام
[7]تم إنشاء لجنة حرية التنظيم في عام 1951 من قبل منظمة العمل الدولية للنظر في الشكاوى المتعلقة بالاتفاقية رقم 87 سواء تم المصادقة على هذه الاتفاقية من قبل الدولة المعنية ام لا.
[8]The Committee on Freedom of Association, the 1996 Digest, para. 665; 304th Report, Case No. 1850, para. 214; 305th Report, Case No. 1893, para. 459; and 324th Report, Case No. 1880, para. 857.

*محامي و أستاذ القانون المشارك بجامعة الإسراء، عمان – الأردن

 

أضف تعليقك