المحاصصة تخنق الأردنيين

المحاصصة تخنق الأردنيين
الرابط المختصر

الإصلاحات التي شهدها الأردن في السنوات الثلاث الأخيرة، ومن قبل الخطوات العرجاء في العقد الماضي، لم تفلح في كسر المعادلة التقليدية التي تحكم الحياة السياسية، وتكاد أن تخنقها؛ معادلة المحاصصة الإقليمية والجهوية، وتمثيل المواطنين بوصفهم كتلا سكانية على قاعدة الأصول والمنابت.

تابعوا ما جرى من مناقشات أعقبت تشكيل مجلس الأعيان الجديد، وانتخابات رئاسة النواب. غادر طاهر المصري موقعه في رئاسة "الأعيان"، فكان السؤال: من يمثل الأردنيين من أصل فلسطيني في سدة السلطات؟ يبادر النائب خليل عطية للترشح لرئاسة مجلس النواب، فقط عندما خرج المصري من "الأعيان"، ثم يتراجع لأسباب يعلمها وحده.

يفوز النائب عاطف الطراونة برئاسة مجلس النواب، فيثور السؤال على الفور: هل يبقى رئيس الديوان الملكي، فايز الطراونة، في منصبه؟ وتدور الحكايات في صالونات عمان عن مرشح بديل للطراونة "فايز" من أصل فلسطيني.

بعدها، يأتيك من يبدي حرصا على "دوزنة" المعادلة؛ نائب رئيس مجلس النواب ينبغي أن يكون من أصل فلسطيني، وهذا ما كان بالفعل.

بعد تشكيل "الأعيان"، اعتذرت السيدة جانيت المفتي عن العضوية لأسباب صحية. ولاحقا تبين أن أحد الأعضاء يحمل جنسية أجنبية، وعليه أن يستقيل. البديل للاثنين ينبغي أن يكون من نفس "الكوتا". وهكذا تمضي العملية الإصلاحية لتكرس المحاصصة بأبشع أشكالها، وتسير بنا إلى النموذج اللبناني.

الدولة بكل مؤسساتها ترعى المحاصصة وتغذيها، باعتبارها الطريق المجربة والمضمونة للاستمرار. أشك في أن أحدا يرغب في تغيير المعادلة، أو أن يطورها لتصبح محاصصة سياسية بمضمون مدني؛ بدعوى المحافظة على هوية الدولة، وكأن البديل المطروح هو إحلال مكون اجتماعي بدل المكون التاريخي للدولة الأردنية.

صحيح أن المحاصصة تلك كانت ضمانة للسلم الأهلي في عقود مضت. إلا أن هذا الشكل من الحكم يعد انتقاليا مرحليا، لتجاوز آثار مرحلة حرجة مرت فيها البلاد. لكنها آلية استنفدت أغراضها منذ عقد ونيف، وكان على ساسة البلاد ومؤسساتها الحاكمة أن تضع أسسا جديدة لممارسة الحكم في الأردن، تستند إلى معايير عصرية، وبطريقة سلسة ومدارة بوعي تراعي المحاذير الداخلية والخارجية.

المفارقة المأساوية أنه بدلا من احتواء المحاصصة الإقليمية بمقاربات سياسية إصلاحية، عملت مؤسسات الدولة على تفريخ محاصصات جديدة في المجتمع، وإحياء أشكال كان الأردنيون على وشك التخلص منها. والمؤسف أن صناعة المحاصصات الجديدة انتعشت في ذروة الحديث الرسمي عن إصلاحات جوهرية تسعى الدولة لتحقيقها.

ولذلك، لم يعد مستغربا أن لا ترى رجال الدولة وكبارها إلا في الجاهات العشائرية و"طلبات" العرائس و"العطوات".

الاستغراق في هذه السياسة خلف أمرين بالغَي السوء: صعود الولاءات والهويات الفرعية على حساب الرابطة الوطنية الجامعة للشعب. وثانيا، تراجع سيادة القانون وعجز مؤسسات الدولة عن إنفاذه على الجميع بعدالة ومساواة.

إن الساسة الذين يعتقدون أن الإصلاح القائم على فكرة المواطنة سيقوض أسس الدولة الأردنية، يتجاهلون أنهم بإصرارهم على المحاصصة كأسلوب حكم، يأخذون البلاد كلها للمجهول، ويزرعون بذور تفكيكها مستقبلا

الغد