المجتمع المدني الأردني والمجال السياسي

المجتمع المدني الأردني والمجال السياسي

 

 

 

عديدة هي المقالات والدراسات، التي أعددتها وتناولت فيها المجتمع المدني وأدواره، وما يواجهه من تحديات، مساهمة مني ضمن الجهود الرامية إلى تمكين دول المنطقة ومجتمعاتها للوقوف عند متطلبات الواقع وتحديات المستقبل. وسأواصل الكتابة حول الموضوع باعتباره إحدى الأولويات الملحة لدولنا ومجتمعاتنا، لتمكينها من تجاوز مرحلة النكوص عن مجاراة مسار التحولات التي تجري في العالم.

 

وبعيداً عن الخوض في المبررات الفلسفية، التي تقف خلف نشوء المجتمع المدني وضروراته بوصفه أحد الفاعلين الأساسيين في المجال العام، خاصة السياسي منه، فإنه من غير المجدي استمرار حالة الإنكار التي تشهدها العديد من دول المنطقة ومنها الأردن، لأدوار المجتمع المدني بتعبيراته المتنوعة والمختلفة.

 

ومن غير المجدي، أيضاً، استمرار حالة الانفصام في التعامل معه، حيث يتم التأكيد على أهمية دوره في الخطاب السياسي الرسمي، وفي الوقت ذاته يتم التضييق عليه في الممارسة الرسمية العملية. وهذا التضييق لا يقتصر على إصدار التشريعات والتعليمات التي تحول دون قيامه بأدواره التي تشكّل من أجلها، وتدفعه ليكون جزءاً من السلطة التنفيذية، ويعمل في إطار إستراتيجياتها، وبالتالي إفراغه من مبررات وجوده، باعتباره يعبر عن مصالح ورؤى مختلفة عن مصالح السلطة التنفيذية ورؤاها بمختلف مستوياتها أيضاً.

 

ولأن مجتمعاتنا العربية، ومنه المجتمع الأردني، تتطور وفق قوانينها الخاصة، وهذا التطور (التغيير) لا يمكن وقفه بالقوة، أسوة بغيرها من المجتمعات في مختلف أنحاء العالم، فإن نشطاء هذه المجتمعات والفاعلين فيها يطورون أدوات التعبير عن ذواتهم وفق حاجاتهم ومصالحهم وقدراتهم، ولكون المجتمعات تتكون من فئات متنوعة المصالح، وفي الكثير من الأحيان، تتعارض مصالح هذه الفئات فيما بينها، لذلك نجد منظمات أصحاب العمل تدافع عن مصالح أعضائها، وأحياناً تتعارض مصالح الصناعيين مع مصالح التجّار منهم، ونجد كذلك منظمات عمالية تتعارض مصالحها مع مصالح أصحاب العمل، ونجد منظمات مدنية تدافع عن مصالح الشباب، وأخرى تمثل الطلبة وتدافع عن مصالحهم، وكذلك منظمات تدافع عن مصالح المرأة وغيرها عن مصالح الأطفال، وأخرى تدافع عن مصالح الأشخاص من ذوي الاعاقة، وكذلك منظمات حقوق الإنسان، وجميع هذه التعبيرات والأدوات الاجتماعية وغيرها تشكل ما يتم تسميته منظمات مجتمع مدني، وهي أطر وأدوات تطورت بشكل طبيعي مع تطور المجتمعات.

 

وأمام عمليات التضييق التي واجهتها الأحزاب السياسية الأساسية خلال العقود الماضية وما زالت، والأثمان السياسية التي يدفعها غالبية نشطاء هذه الأحزاب، وخاصة المعارضة منها. كان من الطبيعي اندفاع العديد من النشطاء السياسيين والفاعلين المدنيين إلى الانخراط في العديد من المنظمات المدنية وفقاً لاهتماماتهم ومصالحهم، أو تأسيس منظمات مجتمع مدني جديدة، تفادياً للتعرض للمضايقات التي تترتب على انخراطهم في الأحزاب السياسية.

 

لقد كان من الطبيعي والمنطقي جداً أن تتنامى خلال السنوات القليلة الماضية أدوار العديد من منظمات المجتمع المدني الأردني في المجال السياسي بشكل لافت، حيث أصبح دورها واضحاً في الترويج والدفاع عن حقوق الإنسان، إلى جانب تطور قدراتها على مراقبة أعمال المؤسسات والسلطات الرسمية، سواء كانت سلطات تنفيذية أو تشريعية أو قضائية، وبالاضافة إلى تطوير سياسات بديلة لسياسات رسمية تتعارض مع المعايير الدولية التي أجمعت البشرية والمجتمع الدولي عليها.

 

ومن الطبيعي أيضاً أن تمتلك هذه المنظمات شبكة علاقات دولية واسعة في المؤسسات الفاعلة سواء مع مؤسسات الأمم المتحدة أو منظمات المجتمع المدني العالمية وشبكاتها المنتشرة في مختلف أنحاء العالم. وكما هو معروف لمتابعي هذا الشأن، فإن هذه المنظمات والشبكات الدولية المتنوعة أصبحت تلعب أدواراً فاعلة في صناعة القرارات الحكومية ومراقبتها ومراجعتها في إطار آليات توافقت عليها الغالبية الكبرى من الدول.

 

بالمجمل، هذه سلوكيات طبيعية، وعلى أقطاب السلطة التنفيذية تقبّلها، والقبول بأن المجتمعات لا يمكن لها أن توقف حركتها، وكلما تم وضع عقبات في مسار، سيتم تطوير مسارات أخرى، وهذا أحد أهم القوانين الاجتماعية، وعليها القبول أيضاً أن القدرة على التفكير ورسم السياسات، ليس حكراً على السلطة التنفيذية، التي لا يمكن لها أن تمارس عملية اتخاذ القرار لوحدها، لأن ذلك أصبح جزءاً من التاريخ.

 

في ضوء ذلك، يتوقع من من السلطة التنفيذية –على اختلاف مستوياتها ونفوذها- العمل على تطوير تشريعات وسياسات تمّكن مختلف الفاعلين سياسيين ومدنيين من العمل بحرية، وأن تضمن ذلك على مستوى الممارسة، لأن من شأن ذلك ضمان عمليات تحول اجتماعي وسياسي سلمي، وعليها أن تدرك أن التضييق على النشطاء المدنيين والسياسيين العاملين في أطر منظمات ذات طابع مدني، من شأنه أن يدفعهم للعمل بأدوات وأساليب غير مدنية يمكن أن تتخذ طابعاً غير سلمي.

 

أحمد محمد عوض: باحث ومدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية.

أضف تعليقك