المادة (45/2) من الدستور الأردني !!!
خضع الدستور الأردني مع نهاية العام الماضي إلى عملية مراجعة جذرية أثمرت عن تعديل أكثر من ثلث مواده الدستورية، حيث انقسمت الآراء حولها بين مؤيد لتلك التعديلات التي جرت باعتبارها محققة للطموحات الشعبية في الإصلاح السياسي ومعارض لها باعتبارها قد جاءت قاصرة عن تلبية الرغبات والمطالب الإصلاحية الشعبية والسياسية.
فمن جملة التعديلات الدستورية الأخيرة التي لاقت استحسانا رسميا وشعبيا إنشاء هيئة مستقلة للانتخاب تقوم الآن بدورها الدستوري على أكمل وجه في التجهيز للانتخابات النيابية المقبلة والإشراف عليها، وإنشاء محكمة دستورية تكون بديلا عن المجلس العالي لتفسير الدستور مهمتها مراقبة دستورية القوانين والأنظمة وتفسير النصوص الدستورية، التي هي الآن في مرحلة النضوج التشريعي، حيث ينتظر دخول قانونها حيز التنفيذ في القريب العاجل.
في المقابل، ما زال هناك عيب جوهري في الجانب التطبيقي يتمثل في عدم تفعيل نصوص الدستور كافة، رغم أهميتها القصوى في الحياة السياسية والدستورية الأردنية. ويـأتي في مقدمة هذه المواد الدستورية غير المفعلة الفقرة الثانية من المادة (45) من الدستور التي تنص على أن "تعيين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصادق عليها الملك".
إن أهمية هذا النص الدستوري تكمن في أن الدستور الأردني قد اعترف لكل من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بكيان دستوري مستقل عن الوزراء في الحكومة، وذلك من خلال اشتراط إصدار أنظمة خاصة تحدد صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الوزراء والوزراء، على اعتبار أن مهام وسلطات رئيس الوزراء تختلف من حيث طبيعتها ونطاقها عن تلك المقررة للوزراء.
وعلى الرغم من مرور السنين الطوال على وجود هذا النص الدستوري، إلا أنه ما زال بانتظار تفعيله بشكل كامل وذلك من خلال إصدار الأنظمة المستقلة التي أوكل المشرع الدستوري مهمة إصدارها إلى مجلس الوزراء. ومع ذلك فلم نسمع عن أي من القوى السياسية والحزبية المعارضة تطالب بتطبيق المادة (45/2) من الدستور وتفعيلها على أرض الواقع، وهو ما يعكس الانتقائية والمزاجية في المطالب الإصلاحية للحركات السياسية والشعبية التي تركز جل اهتمامها على المطالبة بتقليص صلاحيات الملك في تعيين رئيس الوزراء واختيار أعضاء مجلس الأعيان وحل مجلس النواب،من دون النظر لأبعد من ذلك، وكأن إغفال تحديد صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الوزراء والوزراء لا أثر له على مبدأ الفصل بين السلطات.
إن المتتبع للتطبيق العملي للمادة الدستورية السابقة يتبين له أنه قد صدر نظام خاص يحدد صلاحيات وسلطات مجلس الوزراء مرة واحدة فقط وذلك عام 1993، وهو نظام صلاحيات مجلس الوزراء رقم (58) لسنة 1993، الذي نشر في الجريدة الرسمية رقم (2926) بتاريخ 2 تشرين الأول 1993، إلا أنه لم يصدر أبدا أي نظام خاص يحدد صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء كما اشترطت الفقرة 2 من المادة 45 من الدستور.
وقد استمر العمل بنظام مجلس الوزراء السابق حتى عام 2009 عندما صدر الغاء نظام صلاحيات مجلس الوزراء رقم (118) لسنة 2009، الذي نشر في الجريدة الرسمية رقم (4993) بتاريخ 1 تشرين الثاني 2009، ومنذ ذلك التاريخ لم يصدر أي نظام آخر استنادا لحكم النص الدستوري.
وكبديل عن إصدار نظام خاص يحدد صلاحيات الوزراء استنادا لأحكام المادة (45/2) من الدستور فقد صدر قانون وظائف الوزراء رقم (21) لسنة 1939 الذي تم تعديله عام 1952 بعد صدور الدستور الحالي بموجب القانون المعدل رقم (19) لسنة 1952، قبل أن يتم إلغاؤه فيما بعد.
إن أهمية وجود نظام خاص بصلاحيات مجلس الوزراء تتمثل في تضمينه قواعد قانونية حول جميع الصلاحيات المنوطة بمجلس الوزراء، والنصاب القانوني لاجتماع مجلس الوزراء والأغلبية المطلوبة لصدور القرارات عنه، وآلية التصويت على القرارات وأسلوب المناقشة العامة داخل جلسات المجلس، وكيفية التعامل في حال تساوي الأصوات أثناء التصويت على قرارات مجلس الوزراء.
كما يغطي نظام مجلس الوزراء موضوع تشكيل لجان متخصصة من الوزراء للتعامل مع قضايا معينة من حيث تضمينه قواعد قانونية خاصة تحدد قانونية حضور جلسات اللجان والمجالس، وآلية التصويت على القرارات الصادرة عنها، وآلية عرض هذه القرارات على مجلس الوزراء للموافقة عليها وإقرارها.
ففي ظل غياب هذه القواعد القانونية في نظام مجلس الوزراء، فإن التساؤل يثور حول النظام القانوني الذي يحكم سير عمل مجلس الوزراء الحالي والمجالس الحكومية السابقة منذ عام 2009 وهو ما يثير شكوكا حول دستوريتها وقانونيتها، ويجعلها عرضة للإلغاء من جانب القضاء الإداري، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان أن تتصدى الحكومة الحالية لتفعيل المادة (45/2) من الدستور الأردني وإصدار الأنظمة القانونية اللازمة لذلك بأقرب وقت ممكن.
إن غياب مثل هذه الأمور عن المطالب الإصلاحية للقوى السياسية والحزبية في الأردن يعكس حالة "الفزعة" التي تمارسها هذه الجهات في قيادتها للحركات الإصلاحية، فلو أن هذه الجهات والأشخاص القائمين عليها لها لديهم خبرة سياسية ومتابعة مستمرة للشؤون الداخلية الأردنية لتصدر تفعيل المادة (45/2) من الدستور الأردني قائمة مطالب حراكهم الشعبي.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
العرب اليوم