الليلة المقدسة

الليلة المقدسة
الرابط المختصر

بالتزامن مع التقدم الذي تحققه الجماعات المسلحة في العراق وفي مقدمتها تنظيم دولة الاسلام في العراق والشام "داعش"، عاد من جديد خلط الخيال الشعبي والدين الشعبي بالأحداث السياسية، بل وتوظيف هذا الخيال في المغانم والمغارم السياسية بين أطراف الصراع ، وكأننا ما نزال في العصور الوسطى وخارج التاريخ.

الطرف الأول يرى أن ظهور جماعة "داعش" في سورية والعراق وانتصاراتهم الأخيرة في العراق تؤكد أنهم هم "أصحاب الرايات السوداء أو الجيش السفياني الذي يسعى إلى تمزيق الأمة". هذا ما تتحدث عنه الأدبيات الشيعية حيث يشكل هذا الجيش مقدمة لظهور المهدي المنتظر الذي سوف ينتصر على هذا الجيش ويقتل السفياني حينما تحين الليلة المقدسة التي يكتب فيها الخلاص على الطرف الآخر. يتردد وبقوة لدى أتباع تنظيم "الدولة الإسلامية" مقولة أن المهدي المنتظر بينهم، وبعضهم يرى أن زعيمهم أبو بكر البغدادي هو ذاته المهدي المنتظر وأنه هو الذي سوف يصلّي بالمسيح في الليلة المقدسة بعد أن يقتل الدجال!

في انتظار الليلة المقدسة تبدو فكرة  الخلاص هلامية لدى العرب والمسلمين أكثر من غيرهم، حيث نلاحظ كيف يزدحم المجال السياسي بالخرافات والدجل التي تصبح جزءا من خطاب الأزمات. علينا أن نلاحظ تاريخيا أن فكرة الخلاص لها مضامين وعناوين متعددة في هذا الجزء من العالم، وكل يرويها بمضمون مختلف. بينما تتحول إلى فكرة غامضة أكثر كلما ازدادت الحاجة إلى الخلاص والتحرر، وباتت مسألة مصيرية حيث يجعلها الغموض وطول فترة التحول والانتظار أقرب إلى الفوضى والعنف، بل تصبح قدرة فكرة الخلاص على توليد الشوق إلى الانعتاق بما تملكه من قوة معنوية للتضحية والفداء عبارة عن قدرة سلبية على الخلاص من الذات بتحويل طاقة التضحية والفداء إلى طاقة للعنف والتدمير الذاتي، حدث ذلك مرارا حينما تفلس الثورات والحركات الاجتماعية ولا تقوى على صناعة التاريخ والتغيير.

علينا أن نلاحظ أن فكرة الخلاص هي المسيطرة وليست فكرة التحرر، والخلاص فكرة ثقافية - دينية تذهب إلى ما هو أبعد من تاريخ الأديان السماوية، وهي فكرة قائمة على الطقوسية الغامضة وعلى التضحية والفداء من أجل هدف غامض؛ أما التحرر فهو  فكرة سياسية – تاريخية قائمة على إرادة المجتمعات ورغبتها في امتلاك مصيرها بالديمقراطية.

المفارقة العربية تبدو في سيطرة الخلاص على التحرر،  وفيما يتأكد أن فكرة الخلاص  هي تقليد ثقافي له تعبيرات دينية وليس العكس، يمارسها أحيانا طرفا الصراع دون إدراك لحجم الهدر التاريخي، فثمة طبقات كثيفة من الدجل والخرافات التي توظف الخيال الشعبي وتلبسه أحيانا لبوس الدين والتاريخ، وتدفع بالأفراد والجماعات المهمشة أو تلك التي افتقدت مصيرها الاقتصادي والاجتماعي الى فعل أي شيء من أجل الخلاص، حيث تبدو فكرة الخلاص الفردي مسوغةً هيمنةَ وإغواءَ الجماعي، كما هي فكرة الزعيم والقائد المنتظر الذي يضحي ويدفع بالناس إلى الموت والفداء من أجل ظهوره.

الليلة المقدسة هي ليلة التحرر ليس على يد قائد منتظر بل الخلاص من هذه الثقافة والخيال السياسي الذي يبرز كلما زُجّت المنطقة في حروب وأزمات جديدة.

الغد

أضف تعليقك