الكتل النيابية في النظام الدستوري الأردني (2-2)

الكتل النيابية في النظام الدستوري الأردني (2-2)
الرابط المختصر

إن هناك العديد من الأنظمة الداخلية للمجالس النيابية تتضمن أحكاما خاصة بالكتل النيابية، ففي تونس سماها النظام الداخلي لمجلس النواب السابق مجموعات عمل داخل المجلس والنظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي الحالي لعام 2012 أعتبرها كتلا نيابية، وفي المغرب سماها النظام الداخلي لمجلس النواب المغربي لعام 2012 الفرق والمجموعات النيابية، وفي الجزائر سماها النظام الداخلي لمجلس الأمة الجزائري لعام 2000 المجموعات البرلمانية.

لذا فإن هناك حاجة ماسة لتعديل النظام الداخلي لمجلس النواب لتنظيم عمل الكتل النيابية فيما يتعلق بآلية تشكيلها والانضمام إليها والانسحاب منها، بحيث يتم التشدد في عضويتها وتعليق عملية الانسحاب من أي كتلة نيابية على موافقة باقي الأعضاء فيها.

كما يجب أن يتضمن النظام الداخلي لمجلس النواب تخصيص دعم مالي للكتل ودعم لوجستي لها من موظفين وخبراء ومستشارين، وأن يتم وضع لائحة تنظيم داخلية للكتل النيابية بما في ذلك إلزامها بتقديم برنامج عمل، وإخضاع النواب إلى دورات تدريبية تتعلق بإليات عمل الكتل النيابية وواجبات النائب داخل الكتلة وخارجها.

- هل الكتل النيابية بديلا عن الأحزاب السياسية:

هناك من يعتقد خاطئا أن البدء في الاهتمام بالكتل النيابية ومشاورتها في تشكيل الحكومات في الأردن هو البديل عن الأحزاب السياسية. إن الكتل النيابية ليست بديلا أبدا عن الأحزاب السياسية وأهمية تفعيل دورها في المشاركة وتشكيل الحكومات في الأردن. فالهدف الأسمى للإصلاح في الأردن هو الوصول للمفهوم الكامل الحكومة البرلمانية المتمثل في اختيار رئيس الحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للوزراء، على أن يشكل الحزب الخاسر ما يعرف بحكومة الظل بحيث يتم تداول السلطة بين كلا الحزبين بشكل سلمي وديمقراطي من خلال صناديق الاقتراع.

وقد أشار جلالة الملك في ورقته النقاشية الثانية إلى أن تعميق الديمقراطية يكون من خلال الانتقال إلى الحكومات البرلمانية الفاعلة والتي يشكل فيها ائتلاف الأغلبية الحزبية في مجلس النواب الحكومة. إلا أن جلالة الملك قد نبه إلى أننا بحاجة إلى عدة دورات برلمانية لإنضاج هذه الممارسة واستقرارها، وأن ما يحدد الإطار الزمني لعملية التحول الديمقراطي والوصول إلى الحكومة البرلمانية الكاملة هو النجاح في تطوير أحزاب سياسية على أساس برامجي تستقطب غالبية أصوات المواطنين، وتتمتع بقيادات مؤهلة وقادرة على تحمل أمانة المسؤولية الحكومية.

وقد أكد جلالة الملك إلى أن الوصول إلى نظام الحكومات البرلمانية الشامل يعتمد على ثلاثة متطلبات أساسية هي:

أولاً: بروز أحزاب وطنية فاعلة وقادرة على التعبير عن مصالح وأولويات وهموم المجتمعات المحلية ضمن برامج وطنية قابلة للتطبيق، وأن تكون هذه الأحزاب قادرة على التنافس على مستوى وطني، ووفق برامج تمتد لأربع سنوات إلى مجلس النواب.

ثانياً: تطوير عمل الجهاز الحكومي وبنائه على أسس من المهنية والحياد بعيدا عن تسييس العمل، وذلك لمساندة وإرشاد وزراء الحكومات البرلمانية، خاصة وأن هذا النموذج يعني بمفهومه الأشمل أن الوزراء الذين يكلفون لتولي حقائب معينة قد لا يتمتعون بخبرة عملية سابقة في مجال عمل الوزارات التي سيتولونها.

ثالثاً: تغيير الأعراف البرلمانية من خلال تطوير النظام الداخلي لمجلس النواب بما يعزز نهج الحكومات البرلمانية، وعلى مجلس النواب المباشرة بذلك والاستمرار في بناء هذه الأعراف وتطويرها.

رابعا: أن تقوم أحزاب المعارضة ببلورة أعراف مماثلة تحكم آلية التعاون فيما بينها من أجل مساءلة الحكومات وعرض رؤى بناءة بديلة (كحكومة ظل)، ذلك أن دور المعارضة هذا يشكل أحد عناصر النجاح لتجربة الحكومات البرلمانية.

إن "حرد" وسلبية بعض أحزاب المعارضة، وعدم نضوج العمل الحزبي لدى الأحزاب الوسطية يجعل من عملية التحول الفوري إلى حكومة برلمانية أمرا في غاية الصعوبة، فلا بد وأن تكون هناك مرحلة انتقالية تتمثل في الاعتماد على الكتل النيابية ومشاورتهم في تشكيل الحكومات إلى حين الوصول إلى عملية التحول الديمقراطي الكامل وتطبيق مفهوم الحكومة البرلمانية.

- قانون الانتخاب والكتل النيابية:

مع صدور قانون الانتخاب الأردني لعام 2012 الذي تضمن أسلوب القائمة الوطنية ومبادرة جلالة الملك بالإيعاز للحكومة بزيادة عدد مقاعد القائمة الوطنية من 17 إلى 27 مقعدا، استبشرنا خيرا بأن آلية تشكيل الكتل النيابية ستشهد تغييرا جذريا من حيث أن الكتل ستولد من رحم القوائم الوطنية وذلك من خلال عدد النواب الذين سيمثلون كل قائمة وطنية في مجلس النواب والذين سيكونون بمثابة نواة تشكيل الكتل النيابية، وأن الكتل النيابية في مجلس النواب القادم سيكون لها لون سياسي وبرامجي واضح ينطلق من البرنامج الانتخابي للقائمة الوطنية الذي طرحته على الناخب الأردني، مما سيساهم في استقرار الكتل وانسجامها وبناء خطاب برلماني موحد.

إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع والسبب في ذلك عدد القوائم الانتخابية التي خاضت الانتخابات النيابية والتي وصل عددها إلى 61 قائمة وطنية ضمت ما مجموعه 819 مرشحا. فهذا التزاحم بين القوائم الوطنية أدى إلى أن أكبر عدد من المرشحين الذين وصلوا عن القائمة الأكثر شعبية لم يتجاوز ثلاثة، وأن أغلبية القوائم الوطنية التي هي ذات برامج ورؤى إصلاحية مختلفة كان لها تمثيل منفرد في مجلس النواب. ومن العقبات الأخرى التي وقفت في وجه تشكيل كتل نيابية في مجلس النواب السابع عشر من خلال القوائم الوطنية أن الأحزاب السياسية ذات الثقل السياسي قد قررت مقاطعة الانتخابات النيابية تصويتا وترشيحا وذلك احتجاجا على قانون الانتخاب الأردني. أما الأحزاب السياسية التي قررت المشاركة في القوائم الوطنية فكان عددها محدودا، وكانت في بداية حياتها السياسية، فلم تبلور بعد أهدافا وبرامج سياسية واضحة وآليات فعالة لتنفيذ برامجها السياسية داخل مجلس النواب من خلال كتل نيابية. خلاصة القول ان قانون الانتخاب بحلته الحالية لم يوفر غطاء قانونيا وشرعيا لنشأة الكتل النيابية وذلك بسبب إساءة تطبيق فكرة القوائم الوطنية ومقاطعة القوى السياسية الكبرى للانتخابات النيابية فكانت النتيجة أن حلت القوائم التي تقوم على أساس شخص مفوضها محل القوائم الحزبية وبالتالي تعذر تشكيل الكتل النيابية من منظور حزبي وسياسي في مجلس النواب السابع عشر.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم