القوائم ... كأن القصة مفتعلة

القوائم ... كأن القصة مفتعلة

وصول عدد القوائم الانتخابية إلى 60 قائمة، له سببان:

أولا: أن هناك من دفع باتجاه زيادة عدد القوائم، وزيادة أعداد المرشحين فيها من أجل رفع نسبة التصويت، من دون الأخذ بعين الاعتبار حجم الهدر الذي سوف يحصل في الأصوات.

وثانيا: قناعة الأردنيين -على عكس ما روجت له استطلاعات فاسدة- بأن الحياة السياسية لا تستقيم إلا بدفن الصوت الواحد، والبحث عن قواسم من خلال القوائم الوطنية، وهذه الإشارة تحتاج الآن إلى مراكز دراسات محايدة وعلمية لقراءة إقبال الأردنيين على القوائم، من أجل تقديم نصيحة واقعية لصنّاع القرار، الذين وضعت أمامهم سيناريوهات مضلِّلة حول مُخرجات الصوت الواحد، ومُخرجات القوائم الوطنية، التي تم حصرها في 27 مقعدا في مجلس النواب، وكان من مصلحة البلاد والحياة السياسية أن تصل إلى نصف عدد البرلمان، إن لم يكن كاملا، وبالاعتماد على قانون التمثيل النسبي.

60 قائمة وطنية تفتح على العديد من الملاحظات:

أولا: ارتفاع أعداد القوائم الوطنية كشف بوضوح ضعف الحياة السياسية وهشاشتها. فلو كانت لدينا ثلاثة أو اربعة اتجاهات سياسية واضحة ومبلورة، وتستقطب كل الأفكار السياسية، لما وصلنا إلى حالة البعثرة التي نشاهدها.

ثانيا: الحياة السياسية في البلاد تعمل في المجهول ومن دون تعددية حقيقية، ولا تنمية مُحصَّنة، وطوال عشرات السنوات الماضية كانت هناك حماية وحراسة دائمة للإبقاء على ثنائية دَمَّرت الحياة السياسية، ووصلت الآن بين قطبيها إلى مرحلة النفور التي قد تقود إلى التصادم في أية لحظة.

ثالثا: كشفت قيمة وجود أحزاب حقيقية في البلاد، لها دور جدي في الحياة السياسية، والتجربة الحالية فرصة أمام الأحزاب الجديدة الجادة، لكي تثبت أنها تمتلك برنامجا لدولة مدنية حديثة وديمقراطية.

رابعا: سوف يتم هدر عشرات الآلاف من الأصوات وتضيع حقوق أصحابها، بسبب أن الناخبين لم يتعرفوا جيدا على فكرة التصويت للقوائم، حيث يحتاج المرشح الواحد في القائمة إلى نحو 25 ألف صوت في الحد الأدنى، وفي قوائم كثيرة لن يتعدّى مجموع أصواتها العشرة آلاف سوف تضيع في حسبة الفروقات مثلا.

فما الفائدة إذا من نجاح مرشح أو اثنين عن القائمة، وهل سيختلف عن مرشح الدائرة الفردية بعد ذلك؟

خامسا: قيمة القائمة العامة في البرنامج الوطني الذي يتم طرحه إلى جمهور الناخبين، وليست القوائم بأي شكل من الأشكال مَدْخَلا للوجاهة، كما يتوهم بعضهم ، وأن فيها وجاهة أكثر من مرشح الدائرة الفردية، ومصيبة أكبر أن ترتبط الوجاهة بالانتخابات.

القائمة في الأصل استحدثت من أجل بلورة برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي واضح لكل مفاصل الحياة في البلاد، وهي تحمل برنامجا واستقطاب أصوات ودورا، والقائمة التي لا تفكر بهذه الثلاثية لن يكون لها مستقبل، وسوف تنتهي بعد يوم 23 كانون الثاني المقبل، وتغيب عن الحياة السياسية هي والحزب الذي تم انتاجه من أجل الوصول إلى الانتخابات فقط.

سادسا: التجربة الحالية تفتح الأعين بقوة على مدى أهمية قانون الانتخاب في صناعة مستقبل البلاد، كما تكشف عن هشاشة الحياة السياسية وفقرها، وعن عدم وجود اتجاهات سياسية تحتضن الجميع.

سابعا: تتحمل مؤسسات المجتمع المدني الكبيرة- وأخص النقابات المهنية- مسؤولية وطنية في عدم تدريب الأردنيين على نظام القوائم، ورفضها اعتماد التمثيل النسبي في انتخاباتها، لنشر ثقافة التعددية واحترام الآخر، مهما اختلفنا معه في الرأي والاتجاه السياسي.

ثامنا: وهي الاهم، نكتشف بوضوح أن الهيئة المستقلة للانتخاب تتحمل المسؤولية المباشرة في الوصول الى هذا الواقع في موضوع القوائم، لانها وضعت معايير وشروط لتشكيلها لم تراع فيها ثوابت القوائم والهدف من اقرارها، ففتحت الباب واسعا امام تشكيل القوائم، حتى خرجنا بمحصلة وكأن الموضوع استكمال لديكور الانتخابات.

لكن؛ مع كل هذا وكما يقول المثل الشعبي: "كل واحد يتعلم من كيسه"، وهذه تجربة أولى في البلاد، سوف تفرز بالضرورة إيجابيات يمكن البناء عليها مستقبلا، وتزيح سيناريوهات المؤامرة من عقليات فرضت أجندتها على عصب البلاد سنوات طوال، وزرعت في عقل الدولة مخاوف ليست موجودة إلا في العقول المريضة.

هي تجربة في زمن الربيع العربي، مهما اختلفنا على تقويم هذا الربيع، ومسبباته وأين ستمطر غيماته، في حضن القوى الإسلاموية، أم في حضن قوى الحداثة والديمقراطية والمدنية.

العرب اليوم

أضف تعليقك