القانون أداة للتغيير

القانون أداة للتغيير

يشكّل نظام العدالة -في أي بلدٍ- المرجع الأساسي لحماية الحقوق والضمانة لتطبيق القانون على الجميع، على افتراض أن لكل شخصٍ الحق بالمساواة أمام القانون، والحق باللجوء إلى نظامٍ مصممٍ لرفع الظلم عنه في حال التعدي على حقوقه. إلا أنه على أرض الواقع لا نجد هذه الافتراضات صحيحة في العديد من دول العالم!

في كثير من الأحيان، يُحرم الفرد من حقوقه وتزداد معاناته عند لجوئه إلى نظام العدالة بدلاً من إنصافه، خاصةً إن كان فقيراً أو جاهلاً. ويتأتى هذا الحرمان في الغالب من غياب المعرفة بالقوانين أو الإجراءات ومن انعدام قدرة الفرد على توكيل محامٍ يمثله ويدافع عن مركزه القانوني. مما ينجم عنه إحجام الفقراء عن اللجوء إلى العدالة، وفقدانهم القناعة أنها المنصة الملائمة لتحصيل حقوقهم أو إيصال صوتهم.

في الأردن، ورغم تكرار دعوة المواطنين ليتولوا دوراً فاعلاً في المطالبة بحقوقهم والمشاركة في الرقابة على أداء الحكومات والإدارات العامة، ورغم توالي الاتهامات للشعب بأنه غير مبالٍ، وأنه جزءٌ من المشكلة لا الحل، غير أن المواطنين ما زالوا عازفين عن استخدام القانون لتحسين حياتهم وممارسة دورهم الرقابي.

الحل التقليدي الذي اعتاد عليه المواطن الأردني للشكوى عند المساس بحقوقه الأساسية -سواء في التعليم، أو الصحة أو القطاعات الخدمية- غالباً ما يكمن في مراجعة المديريات المعنية مع محاولة العثور على "واسطة" لتحريك تلك الشكوى، وفي حالاتٍ أخرى نجد هناك من يقوم بالاتصال على برامج البث المباشر الذي يسعى لإيصال تظلم المواطن إلى المسؤول. لكن هذه  الحلول -رغم نجاعتها أحياناً- تفتقد بشكلٍ عامٍ للمنهج المبني على الحق ولا تفلح بتسليط الضوء إلا على القضايا التي تشكل انتهاكاً صارخاً أو مساساً كبيراً بحقوق المواطن.

إن ما نفتقد له في الأردن هو ثقافة الحق؛ فالأصل أن الحقوق المكفولة في الدستور والقانون يكون واجباً على الدولة وممثليها من الموظفين العامين وواضعي السياسات تلبيتها، لا من سبيل التعطف وحسن الخلق، بل على سبيل أداء الواجب. وهذه الثقافة والممارسة، التي تشكل المفتاح الأول تجاه تشكيل مواطن فاعلٍ واعٍ لحقوقه وقادرٍ على المساهمة في رسم السياسات ومراقبة أداء الإدارة العامة، لا يمكن خلقها اعتباطاً. فمن العبث تحميل المواطن مسؤولية الرقابة على أداء الإدارة العامة ورفع صوته مطالباً بتحسين الأداء، ما لم تكن البيئة مشجعة وداعمة لذلك.

ولعل أكبر تحدٍ يواجه أية جهود هادفة لتمكين المجتمع وتنظيمه يتجلى في ضعف الوعي القانوني من جهة، وصعوبة اللجوء إلى القضاء وسيلة للتغيير والرقابة من جهة أخرى. إذ أن تحريك المواطن لدعوى قانونية بهدف مراجعة قرار إداري صادر عن أي جهة حكومية بأمر يمس حياته اليومية، يحتاج في الغالب لرفع دعوى أمام المحكمة الإدارية، وهو ما يعني دفع رسوم تصل إلى مئات الدنانير، وتوكيل محامٍ لا تقل خبرته عن خمس سنوات، ودفع مبالغ طائلة على شكل أتعاب محاماة.

إذا ما أضفنا إلى ذلك صعوبة مراجعة المحكمة الإدارية بالنسبة إلى القاطنين خارج العاصمة، نتيجة حصر تواجد هذه المحكمة في عمّان فقط، ناهيك عن تقليص صلاحيات المحكمة في بسط رقابتها على السياسات العامة وتعقيد متطلبات قبول الدعوى شكلاً، فإن كل ذلك يشكل عبئاً يثني الأفراد عن متابعة تظلماتهم بالسبل القانونية، ويحصر خياراتهم في البحث عن الواسطة أو الشكوى لوسائل الإعلام، أو حتى اللجوء إلى الاعتصامات والإضرابات بوصفها حلاً أخيراً للتعبير عن إحباطهم من السياسات والممارسات الحكومية.

إن أردنا مواطناً فاعلاً قادراً على التحرك والمساءلة والتنظيم، علينا أن نبدأ العمل فوراً لتمكينه قانونياً، ولتكريس القانون أداة في يده يغيّر بها حياته ويطوّر مجتمعه.

 

·        هديل عبد العزيز: ناشطة حقوقية. عضو مؤسس والمديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية.

 

أضف تعليقك