القائد العسكري الإسرائيلي يتصرف كديكتاتور تجاه الفلسطينيين
هناك سبب منطقي لكون إصدار القوانين في العصر الحديث تتم بعد تشريعها من قبل ممثلي الشعب التي من أجلهم وُضعت. فالحكومات تأتي وتذهب، ولكن القوانين في كثير من الأحيان تبقى. وباستثناء الدكتاتوريات العسكرية، فإن القوانين لا تُكتب من قبل ممثلي السلطة التنفيذية الذين يقع عليهم عبء فرضها أو من قبل القضاة التي قد يتطلب منهم تفسيرها. كثيرون من الحكام الشموليين يُنشئون هيئة تشريعية رمزية، تتكون من ممثلي الشعب لتكون قادرة على تحمل هذه المهمة الهامة. من المؤكد أن القوانين لا تشرّع من قبل الحكام الأجانب، ولا من قبل الحكام العسكريين الأجانب. يحدث ذلك بالضبط في كل مكان ما عدا في الأراضي الفلسطينية المحتلة. عندما احتل الجيش الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية المحتلة في شهر حزيران عام 1967، أصدر القائد العسكري الإسرائيلي أمراً يعطي فيه نفسه الحق الحصري لإصدار تشريعات لشعب تحت سيطرة جيشه. لقد منحه الأمر العسكري رقم 1 السلطة الحصرية للسيطرة على السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية. ومنذ ذلك الحين، صدرت الآلاف من القوانين من قبل القادة العسكريين الذين تعاقبوا على السلطة والذين يستطيعون بشكل فردي تعديل القوانين القائمة أو إصدار قوانين جديدة تماماً دون نقاش أو جدل أو حتى إعلان عام. وتصدر الأوامر باللغة العبرية. أما الشعب الفلسطيني التي تخصه هذه القوانين فهو- وإلى حد كبير- لا علم له بوجودها. بدأت مؤسسة "الحق" الفلسطينية لحقوق الإنسان، في عام 1980، بالعمل الشاق في ترجمة ونشر هذه القوانين. كتب أحد المؤسسين لمؤسسة الحق، وهو رجا شحادة، كتاباً كاملاً عن عملية السيطرة الإسرائيلية التي تدور حول مفهوم الحكم بالقانون وليس حكم القانون. أشادت واشنطن بوست بكتاب شحادة "قانون المحتل" في عام 2003 بكونه "مرجعاً ثميناً يعكس غضب ويأس أرواح أعاقها الاحتلال". تهدف هذه المقدمة الطويلة إلى تسليط الضوء على البنية القانونية التي يخضع تحتها الفلسطينيون تحت الاحتلال. فهم لديهم برلمان فلسطيني منتخب، قوانينه يناقشها أبناء نفس الوطن قادمون من المجتمعات التي سينفذ القوانين على سكانها. وتغطي الصحف المحلية الفلسطينية ووسائل الإعلام الالكترونية تلك المناقشات، وتنشر في كثير من الأحيان مشاريع القوانين، وتعلن الاتفاق على هذه القوانين عندما يتم التصويت عليها. وحين يقوم الرئيس بتوقيع هذه القوانين، تُنشر في الجريدة الرسمية، ولها قوة القوانين التي ينفذها القضاة الفلسطينيون المحليون باستخدام الشرطة المحلية المسلحة بأسلحة خفيفة، شريطة أن تخدم فقط قرارات المحكمة داخل مناطق (أ) (حيث الكثافة السكانية) من الأراضي الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، يمكن لتوقيع قائد عسكري على أمر عسكري صادر بالعبري وغير معمم في الإعلام الفلسطيني أن يتم تطبيقه في جميع المناطق الفلسطينية بواسطة جيش عسكري مدجج بالأسلحة ومن خلال قادة عسكريين وضباط من المخابرات. كان هذا هو الحال في 13 تشرين الأول عام 2009، عندما أعاد الجنرال غادي شمني، قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، تعريف من هو المتسلل (أي شخص دون تصريح إسرائيلي خاص ساري المفعول)، وعقوبة المتسلل تصل إلى سبع سنوات في السجن ودفع غرامة قيمتها 7500 شيكل (2000 دولار) إضافة إلى الإبعاد. أعطى الأمر العسكري رقم 1650 الفلسطينيين والمقيمين في فلسطين من العرب والأجانب ستة أشهر لتصويب أوضاعهم. ومع ذلك، فإن قليلين من الفلسطينيين كانوا على علم بهذا الأمر العسكري حتى اقتبست مراسلة إسرائيلية عن تقرير لمنظمات حقوق إنسان إسرائيلية أن الأشهر الستة ستنتهي في 13 نيسان، مما سيجعل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في خطر السجن والغرامة والترحيل. إن عمليات الإبعاد ليست جديدة بالطبع على الرغم من أن الإسرائيليين لم يستخدموها مؤخرا بصورة مباشرة. تقول منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "بتسيلم" إن الفلسطينيين من الأراضي المحتلة يتم ترحيلهم وفقا لسلطة قانون رقم 112 من قوانين الدفاع (الطوارئ) لعام 1945. هذا النظام يخوّل قائد المنطقة "إصدار أمر يفرض على أي شخص الرحيل والبقاء خارج فلسطين". الملفت أن قوانين الطوارئ هذه والتي سنّها الانتداب البريطاني لفلسطين كانت تسمى آنذاك بالقوانين "النازية" من قبل مناحيم بيغن. في عام 1979 ألغي قانون الطوارئ في إسرائيل، ولكنه لا يزال ساري المفعول في الأراضي المحتلة. ووفقا لمنظمة "بتسيلم" الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان الفلسطيني، فإنه منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، إلى عام 1992، عندما أوقفت إسرائيل عمليات الإبعاد المباشر، تم ترحيل 1522 فلسطينياً من الأراضي المحتلة. لم ُيتهم أياً من المبعدين بجريمة جنائية، ولا حوكم أو أُدين، وبالتالي وبموجب القانون يجب أن يعتبروا بريئين من أي جرم. رغم انه تم توقيف الإبعاد العلني في عام 1992، إلا انه تم تنفيذ خطة أكثر شؤماً من ذلك بكثير، ألا وهي عملية "الترنسفير"، حيث يتم "تشجيع" الفلسطينيين على المغادرة وعدم العودة عن طريق استخدام الأوامر الإدارية المختلفة، مثل هذا الأمر الأخير. ومن المفارقات أن هذا الأمر لا ينطبق على المستوطنين اليهود الذين في الواقع يتسللون إلى الأراضي الفلسطينية، كما أنها لا تنطبق على المستوطنين اليهود الذين يقيمون في ما يسمى "بالمستوطنات غير القانونية" التي لم تُرخّص رسمياً من قبل دولة إسرائيل المحتلة. في قمة الاثنين في واشنطن، وافق جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس الأميركي، باراك أوباما، على أنه ينبغي على كل من الإسرائيليين والفلسطينيين تجنب الأعمال التي تضعف فرص إحياء محادثات السلام المتوقفة. في الأشهر القليلة الماضية، شهدنا دليلاً واضحاً على أن إسرائيل تضعف السلام من خلال بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، متحدية بذلك خارطة الطريق والالتزامات التي تعهدت بها للإدارة الأمريكية. والآن يُظهر الإسرائيليون بأن نظرية الصهيونية الأصلية التي تشتهي الاستيلاء على الأراضي بدون الشعب، لا تزال هي الدعامة الرئيسية لهذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية. وإذا كان أوباما ومستشاروه مهتمون حقاً في هذه المسألة، فإنهم لا يحتاجون إلى إرسال مبعوث إلى الشرق الأوسط. ما يحتاجه أوباما ووزيرة خارجيته أو مستشاره للأمن القومي موجود في مدينة واشنطن. إن الجنرال شمني، وهو الرجل الذي كانت لديه السلطة لسن القوانين في الأراضي المحتلة والذي وقّع على الأمر العسكري رقم 1650، أصبح الملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية منذ شهر تشرين الثاني من عام 2009. * الكاتب صحفي فلسطيني وبروفيسور سابق في جامعة برنستون الأمريكية