الفيلم البذيء والاسلاموفوبيا و"صراع الحضارات"

 الفيلم البذيء والاسلاموفوبيا و"صراع الحضارات"
الرابط المختصر

بداية لا يمكن اعتبار المشاهد الهابطة المجمعة في الفيديو المدعي رواية قصة النبي محمد، فيلماً وفقاً لأي المقاييس الفنية أو المهنية، لكن يجب فهم الفكر الايديولوجي الأوسع وراءه لئلا نقع ، وللأسف الردود العنيفة تدل أننا قد دخلنا، في الشرك السياسي وتداعياته.

الفيديو نفسه، لم يكن ليكتسب أهمية لولا ردة الفعل، التي نجح في استنفارها، ولولا المحاولة الواضحة ، خاصة في حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية لإشعال فتيل "صراع الحضارات" من خلال نشر التخويف العنصري المتمثل في جوهره في الاسلاموفوبيا.

الحقائق لم تكتمل حول الجهة التي هي وراؤه، ولكن مما أتضح ، أنه جاء من كنف اليمين الأمريكي المتصهين، الذي يشهد نهوضاً متغذياً ومغذياً لحملة المرشح اليميني الجمهوري لانتخابات الرئاسة ميت رومني.

الساحة الأمريكية تشهد هجمة شرسة لليمين المتطرف، المتحالف مع مراكز النفوذ الصهيونية ، خاصة وليس حصراً مع أنصار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تتهم بارك أوباما بالتفريط بأمن إسرائيل.

لا يعني هذا أن أوباما، لم يخدم مصالح إسرائيل، ففي عهده بلغت المساعدات العسكرية إلى إسرائيل كمياً ونوعياً درجة غير مسبوقة، و"توج" عهده بإعلانه أمام مؤتمر اللوبي الصهيوني بالقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل.

في الوقت نفسه قام أوباما ، بإحداث تغييرات هامة في الخطاب السياسي الأمريكي ، مزيلاً الكثير من التعبيرات المعادية للمسلمين من لغة البيت الأبيض، في محاولة لكسب العالم العربي والإسلامي، بعد سنوات الحرب المعلنة على الإرهاب وحروب العراق وأفغانستان.

لهجة أوباما لم تغير جوهر السياسات وإنما بعض تعبيراتها وأشكالها، فاستمرت العدائية الأمريكية العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وعمليات القتل بواسطة الطائرات دون طيار في مناطق القبائل في باكستان، ودعم الاحتلال الصهيوني في فلسطين.

لكن ذلك لم يكن كافياً لأن الاسلامافوبيا، هي في صلب ومن شروط الأيديولوجية اليمينية المتطرفة ، ولا تقبل بالتخلص منها ، حتى شكلياً، فالصراع يجب أن يصور بطريقة حدية ، وثنائية لا تقبل المناطق الرمادية، ذلك أن الإسلاموفبيا استخدمت تاريخياً لتبرير الغزوات والسياسات الاستعمارية منذ الحروب الصليبية إلى اليوم.

فتقديم الإسلام والمسلمين بصورة "الآخر" الغريب وغير المفهوم أي أنه خارج في طبيعته عما هو معترف به "إنسانياً وحضارياً"، كان دائما السلاح الاستعماري الأيديولوجي الأقوى ، لتجميل الاستعمار القديم والجديد والهيمنة العسكرية والاقتصادية على شعوب "المشرق".

وقد فضح المفكر الفلسطيني الأمريكي الراحل ادوارد سعيد خاصة في كتاب الاستشراق، كيف يتم استخدام الأدب والفن لترسيخ مفهوم "الآخر" المسلم ، الواجب تطويعه، في ترويج الفكرة والممارسات الاستعمارية ضد الشعوب.

استعمال الاسلاموفبيا، ودب الذعر من الثقافات الأخرى ،أصبح أكثر إلحاحاً بعد انتهاء الحرب الباردة كذريعة لضمان تبعية شعوب ودول العالم لواشنطن والدوائر الغربية.

فكانت نظريات صاموئيل هانتنغتون والمستشرق الأكبر برنارد لويس غطاء "فكرياً" لحروب أمريكا ضد أفغانستان والعراق، وربط المصالح الأمريكية بالمصالح الإسرائيلية، لكن خطاب أوباما، في رأي اليمين الأمريكي، أضعف الحبكة المحكمة للرواية التي في رأيهم، تقلل من هيبة وسطوة أمريكا " الأخلاقية" وبالتالي السياسية.

وجاء فوز الإسلاميين في انتخابات ما بعد الثورات، لتشكل مصدر خوف جديدا لليمين المتطرف الأمريكي وللمحافظين الجدد الذين عادوا وبقوة إلى المعادلة السياسية الأمريكية.

أوباما اختار التعاون مع الإسلاميين، بعد فوزهم في انتخابات ما بعد الثورات، خاصة أنهم لم يتَحدوا سياسات التبعية للغرب ولا المعاهدات مع إسرائيل، أملاً بأن ذلك سيخفف العداء لأمريكا في العالم العربي.

اليمين الأمريكي رأى في ذلك التعاون ضربة لأهم أركان أيديولوجيته واعتبر سياسة اوباما خطيئة ستدفع ثمنها أمريكا من نفوذها.

لذا فإن نشر الفيديو المسيء أتى في سياق عودة توظيف وإثارة الاسلاموفوبيا الشرسة، في الصراع على تجليات ، ولا نقول جوهر، الإستراتيجية الاستعمارية الأمريكية، لكن لم تكن الفكرة لتنجح دون نوعية رد الفعل، التي جاءت تماماً كما يتمناها مروجو العمل الساقط فنياً وأخلاقياً، وبلعنا الطعم الذي يهدف كتم أنفاسنا.

العرب اليوم

أضف تعليقك