الفوضى وغياب البوصلة النيابية!

الفوضى وغياب البوصلة النيابية!
الرابط المختصر

يؤكد أداء مجلس النواب، وما يجري تحت قبته، يوما بعد يوم وجلسة إثر جلسة، الحال البائسة التي يفرزها قانون الانتخاب، وفق شروط اللعبة الرسمية وخطوطها الحمراء.

إذ يُثبت المجلس النيابي أكثر، كلما زادت جلساته ونقاشاته و"طوشاته"؛ حجم ضعفه، وغياب الدور الحقيقي والفاعل المأمول منه، بل ويثبت في العديد من المفاصل أنه جزء من المشكلة العامة، لا من حلها!في جلسة النواب أول من أمس، والتي خصصت للرد على حادثة اعتداء موظفي السفارة العراقية على مواطنين أردنيين، وخرقهم الفاضح والهمجي للقانون، ضاع النواب على مدى أربع ساعات في "معمعان" الرد وإلقاء الخطابات المستنكرة للاعتداء، فيما "شرّق وغرّب" العديد من النواب في خطاباتهم، بعيدا عن صلب القضية، وفتحوا جبهات ما كان يجب أن تُفتح من قبل ممثلي الأمة، في محاكاة استعراضية لخطابات في الشارع، لم تراع الدور المسؤول للبرلمان سياسيا ورسميا.

نعم، كان مطلوبا من النواب التوقف أمام هذه القضية المهمة لكل أردني، والمطالبة بإجراءات سياسية ودبلوماسية وقانونية ضد المعتدين.

لكن ذلك كان ممكنا بدون تمضية أربع ساعات من الخطابة، جلها لم يكن منتجا، سوى في البعد السلبي، وتخللها أيضا -كالعادة- قليل من الشجارات وإطلاق الشتائم من بعض نواب ضد زملاء لهم، ولتصبح القضية عند نواب ليس الانتصار لحق المواطن المعتدى عليه، بل البحث عن شعبية، والاستعراض، أو حتى مجرد "فشة خلق" يمكن تفهم صدورها من مواطن عادي، لا من مجلس نواب!جلسة أول من أمس، كما جلسات عديدة في عمر المجلس النيابي، تكشف بجلاء أن ثمة  غيابا للبوصلة لدى أغلب السادة النواب، وأنهم يعملون وفق مبدأ ردة الفعل، بدون برنامج أو رؤية، حتى ولو كانت رؤية متواضعة؛ فيما تعكس أجواء هذه الجلسات حالة الفوضى والاحتقانات في الشارع، وتحرص على محاكاتها وإعادة إنتاجها تحت قبة البرلمان، بدلا من أن تكون القبة مكانا لترشيد فوضى الشارع، ومحطة رئيسة للحوار الوطني المنتج، ومطبخا حقيقيا للعملية السياسية.

لا أتحدث هنا عن الخلل الهيكلي في تشكيلة مجلس النواب، باعتباره مجلسا قائما على محور النائب الفرد، بعيدا عن الكتل النيابية الحقيقية التي يمكن لتفاعلها وتنافسها البرامجي والكتلوي أن ينتج حياة برلمانية صحيحة ومهمة، وأن تدعم دوره الرقابي والتشريعي؛ لكننا نتحدث هنا عن عدم توفر شروط أقل أهمية في المجلس، ما بات معه مصدرا لتغذية العنف، بشجاراته وشتائم عدد من أعضائه التي تبث حية ومباشرة!

وتُفقدنا الأمل بقدرته على أن يشكل أحد المصدات المتاحة لفوضى الشارع، وانفلات العنف من كل عقال.

المشكلة أن مجلس النواب، وفق شروط أدائه الحالية، وضمن حالة الفوضى التي يعيشها، ويسهم في إنتاجها أيضا، بات جزءا من المشكلة المستعصية في الحياة العامة، لا جزءا من الحل لها.

وهو الأمر الذي يحتاج من هذا المجلس، ومن النواب الراغبين في العمل وأداء دورهم الحقيقي والمفيد، إلى أن يبادروا سريعا لإصلاح بيتهم الداخلي، وآليات العمل والنقاش فيه، بدون إبطاء أو ترحيل، حتى يتمكنوا من ترميم صورة المجلس النيابي، وإخراجه من الأزمة التي وصلها.

الغد

أضف تعليقك