"الغموض الإيجابي" الأردني
الذين ينظرون بإيجابية وإعجاب إلى المواقف الأردنية من الأزمة السورية، وملفات المنطقة بشكل عام، يقولون إن الأردن اتخذ سياسة "الغموض الإيجابي" منصة لتبني سياسات محسوبة؛ حمت الأردن وراعت أمنه واستقراره، ومنعت أي تدهور في علاقاته بدول الجوار والإقليم، مع أن بعضها على طرفي نقيض في الرؤى والأهداف والتحالفات والسياسات. في المقابل، يذهب من يرى موقفا معاكسا إلى أن هذه المواقف والسياسات الأردنية تكشف عن ارتباك استراتيجي، حتى لو كانت التكتيكات الحالية تنجز بعض النجاحات، التي يُخشى أن تكون مؤقتة.
مثل هذا الجدل والسجال قد يستعادان اليوم، في ظل الاختلاف الحاصل داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ عقب سحب الرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها لدى الدوحة. وفي حال تفاقم هذا الاختلاف، فإن ذلك يعني تحديا جديا أمام الأردن، من المهم أن يتحسّب له منذ الآن.
الرغبة الأردنية ما تزال قائمة في أن يحظى الأردن بمعاملة تفضيلية من قبل دول الخليج، بل وصرّح رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، مؤخرا، أن "عدم انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي كان خطأ استراتيجيا، وخطأ قويا جدا، ولا أدري ما السبب". وأوضح الأسباب التي تدفعه إلى الاعتقاد بذلك، إذ قال: "لا يختلف الأردن في سياسته عن الخليج، ولم يخرج عن سياسة الخليج. والأردن ليس عبئا اقتصاديا"؛ مشيرا إلى أن المملكة تجاور الدول المضطربة أمنيا في المنطقة. مضيفا: "لنفترض أنه صار عندنا في الأردن قلاقل، هل من الأفضل أن يتركونا حتى تأتي إلينا الاضطرابات، ويعتقدوا أن النار خارج حدودهم؟ في الواقع هي ستقرع حدودكم قرعا؛ لأن ما بيننا وبينكم 770 كيلومترا، وانظروا إلى باقي حدودكم ولفوا الخريطة، فنحن الحدود الأكثر أمنا".
على الأغلب أن الأحداث تجاوزت الحماسة التي دفعت الرياض، قبل سنوات، إلى طرح مسألة انضمام الأردن لمجلس التعاون. لكن في المقابل، يتم التساؤل في الوقت الحالي عن الصيغة التي ستحكم الجانبين (الأردني والخليجي) في ظل اتساع التباين بين دول الخليج العربية تجاه ملفات المنطقة وتطوراتها، وفي ظل اختلاف الرؤى بشأن الإسلام السياسي والملف المصري والملف العراقي، وغيرها من وجهات النظر المتعارضة. وهذا التباين وتلك الملفات والتطورات تلقي أيضا بظلال ثقيلة على الواقع الداخلي الأردني، حيث يتعثر المشروع الوطني الديمقراطي الأردني، وتُخفق النخبة السياسية في تمتين الجبهة الداخلية بعيدا عن محددات الدعم الخارجي أو الاستثمار في قلق الأردنيين من قلاقل الإقليم ونيرانه المشتعلة.
"الأردن صمام الأمان"؛ مقولة جوهرية يمكن الاتكاء عليها باستمرار لمغالبة المخاطر المهددة للأردن، في ظل بيئة إقليمية قاسية ومتقلبة، تجعل سياسة "حافة الهاوية" تحديا يوميا يواجه أي عقل استراتيجي للدولة. ومن هنا، فإن المحافظة على فاعلية هذه المقولة، تقتضي التعاطي بشكل عاجل مع مسألة الإصلاحات السياسية الداخلية، وترسيخ مبادئ "الحوكمة" والمحاسبة في ظل تفاقم عجز الموازنة.
"الأردن صمام الأمان" تتساوق مع ابتعاد الأردن عن تبني أي "سياسات نهائية" في سورية والعراق، وتجاه مصر وإيران... قد تطوّق قدرته على التحرك؛ فدائما هناك كوّة لإعادة الاستدارة والتموضع من جديد، ودائما هناك أكثر من خيار، فالافتقاد للاختيار "سياسة انتحارية"، هي أبعد ما تكون عن الفهم الأردني العام، والتاريخ السياسي للبلد.
الغد